دائما من غير تحول ولا انتقال. وهذا المعنى المذكور هنا جاء موضحا في مواضع أخر، كقوله: * (الذى أحلنا دار المقامة) * أي الإقامة أبدا، وقوله: * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا) *، وقوله: * (إن هاذا لرزقنا ما له من نفاد) *، وقوله: * (عطآء غير مجذوذ) *، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على دوامهم فيها، ودوام نعيمها لهم. والحول: اسم مصدر بمعنى التحول. قوله تعالى: * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) *. أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يقول * (لو كان البحر مدادا لكلمات ربى) * أي لو كان ماء البحر مدادا للأقلام التي تكتب بها كلمات الله (لنفد البحر) أي فرغ وانتهى قبل أن تنفد كلمات ربي * (ولو جئنا بمثله مددا) * أي ببحر آخر مثله مددا، أي زيادة عليه. وقوله (مددا) منصوب على التمييز، ويصح إعرابه حالا. وقد زاد هذا المعنى إيضاحا في سورة (لقمان) في قوله تعالى: * (ولو أنما فى الا رض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) *. وقد دلت هذه الآيات على أن كلماته تعالى لا نفاد لها سبحانه وتعالى علوا كبيرا. قوله تعالى: * (قل إنمآ أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنمآ إلاهكم إلاه واحد) *. أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للناس: * (إنمآ أنا بشر مثلكم) * أي لا أقول لكم إني ملك ولا غير بشر، بل أنا بشر مثلكم أي بشر من جنس البشر، إلا أن الله تعالى فضلني وخصني بما أوحى إلي من توحيده وشرعه. وقوله هنا * (يوحى إلى أنمآ إلاهكم إلاه واحد) * أي فوحدوه ولا تشركوا به غيره. وهذا الذي بينه تعالى في هذه الآية. أوضحه في مواضع أخر. كقوله في أول (فصلت): * (قل إنمآ أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنمآ إلاهكم إلاه واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكواة وهم بالا خرة هم كافرون) *، وقوله تعالى: * (قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا) * وقوله: * (قل لا أقول لكم عندى خزآئن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلى) *
(٣٥٥)