أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٥٠
هبآء منثورا) *، وقوله: * (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) *؟ وقوله: * (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) * ومع هذا فهم يعتقدون أن عملهم حسن مقبول عند الله.
والتحقيق. أن الآية نازلة في الكفار الذين يعتقدون أن كفرهم صواب وحق، وأن فيه رضى ربهم. كما قال عن عبدة الأوثان: * (ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفى) *، وقال عنهم * (ويقولون هاؤلاء شفعاؤنا عند الله) *، وقال عن الرهبان الذين يتقربون إلى الله على غير شرع صحيح: * (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية) *، على القول فيها بذلك. وقوله تعالى في الكفار: * (إنهم اتخذوا الشياطين أوليآء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) * وقوله: * (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) * والدليل على نزولها في الكفار تصريحه تعالى بذلك في قوله بعده يليه * (أولائك الذين كفروا بأايات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم) *. فقول من قال: إنهم الكفار، وقول من قال: إنهم الرهبان، وقول من قال: إنهم أهل الكتاب الكافرون بالنبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك تشمله هذه الآية. وقد روى البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سأله ابنه مصعب عن (الأخسرين أعمالا) في هذه الآية هل هم الحرورية؟ فقال لا هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما النصارى فكفروا بالجنة، وقالوا لا طعام فيها، ولا شراب. والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعيد يسميهم الفاسقين. ا ه من البخاري. وما روي عن علي رضي الله عنه من أنهم أهل حروراء المعروفون بالحروريين معناه أنهم يكون فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا، لأنهم يرتكبون أمورا شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة، فقد ضل سيعهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وإن كانوا في ذلك أقل من الكفار المجاهرين. لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما قد قدمنا إيضاحه وأدلته.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (الذين ضل سعيهم) * أي بطل واضمحل. وقد قدمنا أن الضلال يطلق في القرآن واللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الأول الضلال بمعنى الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل. كالذهاب عن
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»