كما أنعم عليهم بها في الدنيا في مواضع كثيرة، كقوله: * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل) *، وقوله * (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين) *، وقوله * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لانفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) *، وقوله: * (ومآ أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى) *، وقوله تعالى: * (مآ أغنى عنه ماله وما كسب) * إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: * (منقلبا) * أي مرجعا وعاقبة. وانتصابه على التمييز. وقوله: * (لأجدن خيرا منها) * قرأه ابن عامر ونافع وابن كثير (منهما) بصيغة تثنية الضمير.
وقرأه الباقون (منها) بصيغة إفراد هاء الغائبة. فالضمير على قراءة تثنيته راجع إلى الجنتين في قوله * (جعلنا لاحدهما جنتين) *، وقوله: * (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) *. وعلى قراءة الإفراد راجع إلى الجنة في قوله: * (ودخل جنته) *.
فإن قيل: ما وجه إفراد الجنة مع أنهما جنتان؟ فالجواب أنه قال ما ذكره الله عنه حين دخل إحداهما، إذ لا يمكن دخوله فيهما معا في وقت واحد. وما أجاب به الزمخشري عن هذا السؤال ظاهر السقوط، كما نبه عليه أبو حيان في البحر. قوله تعالى: * (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكن هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا) *. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك الرجل المؤمن المضروب مثلا للمؤمنين، الذين تكبر عليهم أولو المال والجاه من الكفار، قال لصاحبه الآخر الكافر المضروب مثلا لذوي المال والجاه من الكفار، منكرا عليه كفره أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلا، لأن خلقه إياه من تراب ثم من نطفة، ثم تسويته إياه رجلا، كل ذلك يقتضي إيمانه بخالقه الذي أبرزه من العدم إلى الوجود، وجعله بشرا سويا، ويجعله يستبعد منه كل البعد الكفر بخالقه الذي أبرزه من العدم إلى الوجود. وهذا المعنى المبين هنا بينه في مواضع أخر، كقوله تعالى: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) *، وقوله تعالى: * (وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون) * وقوله تعالى: * (قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون أنتم وءابآؤكم الا قدمون فإنهم عدو لى إلا رب