من السنة في الكلام على قوله: * (إن الصلواة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * فراجعه هناك إن شئت. والعلم عند الله تعالى. وقوله تعالى: * (وقل جآء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) *. الحق في لغة العرب: الثابت الذي ليس بزائل ولا مضحمل. والباطل: هو الذاهب المضمحل. والمراد بالحق في هذه الآية: هو ما في هذا القرآن العظيم والسنة النبوية من دين الإسلام. والمراد بالباطل فيها: الشرك بالله، والمعاصي المخالفة لدين الإسلام.
وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الإسلام جاء ثابتا راسخا، وأن الشرك بالله زهق. أي ذهب واضمحل وزال. تقول العرب: زهقت نفسه: إذا خرجت وزالت من جسده.
ثم بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقا، أي مضمحلا غير ثابت في كل وقت. وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع. وذكر أن الحق بزيل الباطل ويذهبه. كقوله: * (قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب قل جآء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) *، وقوله: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) *.
وقال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة: أخرج ابن أبي شيبة، والبخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول * (جآء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * * (قل جآء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) *.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها، وقال: * (جآء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) *.
وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما. فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص. فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول: * (جآء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) *