مستورا) *. فجاءت حتى قامت على أبي بكر رضي الله عنه فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانيا؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا ورب هذا البيت ما هجاك. فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها. إلى غير ذلك من الروايات بهذا المعنى.
وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية، بعد أن ساق بعض الروايات نحو ما ذكرنا في هذا الوجه الأخير ما نصه: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا. وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن، فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا، وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبله (يعنون شيطانا) وأعمى الله عز وجل أيصارهم فلم يروني اه وقال القرطبي: إن هذا الوجه في معنى الآية هو الأظهر. والعلم عند الله تعالى.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (حجابا مستورا) * قال بعض العلماء: هو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل. أي حجابا ساترا، وقد يقع عكسه كقوله تعالى: * (من مآء دافق) * أي مدفوق * (عيشة راضية) * أي مرضية. فإطلاق كل من اسم الفاعل واسم المفعول وإرادة الآخر أسلوب من أساليب اللغة العربية. والبيانيون يسمون مثل ذلك الإطلاق (مجازا عقليا) ومن أمثلة إطلاق المفعول وإرادة الفاعل كالقول في الآية قولهم: ميمون ومشؤوم، بمعنى يا من وشائم. وقال بعض أهل العلم: قوله * (مستورا) * على معناه الظاهر من كونه اسم مفعول، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه. أو مستورا به القارئ فلا يراه غيره. واختار هذا أبو حيان في البحر. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا) *. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل على قلوب الكفار أكنة، (جمع كنان) وهو ما يستر الشيء ويغطيه ويكنه، لئلا يفقهوا القرآن. أو كراهة أن يفقهوه لحيلولة تلك الأكنة بين قلوبهم وبين فقه القرآن. أي فهم معانيه فهما ينتفع به صاحبه. وأنه جعل في آذانهم وقرأ أي صمما وثقلا لئلا يسمعوه سماع قبول وانتفاع.
وبين في مواضع أخر سبب الحيلولة بين القلوب وبين الانتفاع به، وأنه هو كفرهم،