أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ١٥٥
وقول النابغة الجعدي:
* ومثل الدمى شم العرانين ساكن * بهن الحياء لا يشعن التقافيا * والذي يظهر لنا أن أصل القفو في لغة العرب: الاتباع كما هو معلوم من اللغة. ويدخل فيه اتباع المساوي كما ذكره من قال: إن أصله القذف والبيت.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا) * فيه وجهان من التفسير: الأول أن معنى الآية أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه فيقال له: لم سمعت ما لا يحل لك سماعها؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليها؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليها؟
ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى، كقوله: * (ولتسألن عما كنتم تعملون) *، وقوله * (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) *، ونحو ذلك من الآيات.
والوجه الثاني أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها، فتشهد عليه جوارحه بما فعل.
قال القرطبي في تفسيره: وهذا المعنى أبلغ في الحجة. فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي كما قال: * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنآ أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) *، وقوله: * (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) *.
قال مقيده عفا الله عنه: والقول الأول أظهر عندي، وهو قول الجمهور.
وفي الآية الكريمة نكتة نبه عليها في مواضع أخر. لأن قوله تعالى: * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا) * يفيد تعليل النهي في قوله: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * بالسؤال عن الجوارح المذكورة، لما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه: أن (إن) المكسورة من حروف التعليل. وإيضاحه: أن المعنى انته عما لا يحل لك لأن الله أنعم عليك بالسمع والبصر والعقل لتشركه، وهو مختبرك بذلك وسائلك عنه، فلا تستعمل نعمه في معصيته.
ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»