يحيى التميمي، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر).
وحدثني إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أبي عمر كلاهما عن عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد مثله، وزاد في عقب الحديث: قال يزيد: فحدثت هذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة، وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: أخبرنا مروان يعني ابن محمد الدمشقي، حدثنا الليث بن سعد، حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بهذا الحديث، مثل رواية عبد العزيز بن محمد بالإسنادين جميعا انتهى.
فهذا نص صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم، صريح في جواز الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وحصول الأجر على ذلك وإن كان المجتهد مخطئا في اجتهاده. وهذا يقطع دعوى الظاهرية: منع الاجتهاد من أصله، وتضليل فاعله والقائل به قطعا باتا كما ترى.
وقال النووي في شرح هذا الحديث: قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم. فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده. وفي الحديث محذوف تقديره: إذا أراد الحاكم أن يحكم فاجتهد. قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم. فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم. ولا ينعقد حكمه سواء وافق الحق أم لا. لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك. وقد جاء في الحديث في السنن: (القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، واثنان في النار. قاض عرف الحق فقضى به في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار، وقاض قضى على جهل فهو في النار) انتهى الغرض من كلام النووي.
فإن قيل: الاجتهاد المذكور في الحديث هو الاجتهاد في تحقيق المناط دون غيره من أنواع الاجتهاد.
فالجواب أن هذا صرف لكلامه صلى الله عليه وسلم عن ظاهره من غير دليل يجب الرجوع إليه، وذلك ممنوع.