أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٥١
هنا في وقعة بدر، كما لا يخفى.
وذكر في سورة آل عمران أن النعاس غشيهم أيضا يوم أحد، وذلك في قوله تعالى في وقعة أحد: * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) *. * (إن تستفتحوا فقد جآءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين * ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون * يأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة واعلموا أن الله شديد العقاب * واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الا رض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون * يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم * ياأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم * وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * قوله تعالى: * (إن تستفتحوا فقد جآءكم الفتح) *.
المراد بالفتح هنا في هذه الآية عند جمهور العلماء: الحكم وذلك أن قريشا لما أرادوا الخروج إلى غزوة بدر تعلقوا بأستار الكعبة، وزعموا أنهم قطان بيت الله الحرام، وأنهم يسقون الحجيج، ونحو ذلك، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم: فرق الجماعة، وقطع الرحم، وسفه الآباء، وعاب الدين، ثم سألوا الله أن يحكم بينهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يهلك الظالم منهم، وينصر المحق. فحكم الله بذلك وأهلكهم، ونصره، وأنزل الآية، ويدل على أن المراد بالفتح هنا الحكم. أنه تعالى أتبعه بما يدل على أن الخطاب لكفار مكة، وهو قوله: * (وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد) *، وبين ذلك إطلاق الفتح بمعنى الحكم في القرآن في قوله عن شعيب وقومه: * (على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) * أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين، ويدل لذلك قوله تعالى: عن شعيب في نفس القصة * (وإن كان طآئفة منكم ءامنوا بالذى أرسلت به وطآئفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) *، وهذه لغة حمير لأنهم يسمون القاضي فتاحا والحكومة فتاحة، ومنه قول الشاعر: ومنه قول الشاعر:
* ألا أبلغ بني عمرو رسولا * بأني عن فتاحتكم غني * أي عن حكومتكم وقضائكم، أما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الخطاب في قوله: * (إن تستفتحوا) * للمؤمنين. أي تطلبوا الفتح والنصر من الله، وأن الخطاب في قوله بعده: * (وإن تنتهوا فهو خير لكم) * للكافرين. فهو غير ظاهر، كما ترى.
قوله تعالى: * (واعلموا أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) *.
أمر تعالى الناس في هذه الآية الكريمة أن يعلموا: أن أموالهم وأولادهم فتنة يختبرون بها، هل يكون المال والولد سببا للوقوع فيما لا يرضى الله؟ وزاد في مواضع آخر أن الأزواج فتنة أيضا، كالمال والولد، فأمر الانسان بالحذر منهم أن يوقعوه فيما لا يرضى الله. ثم أمره إن اطلع على ما يكره من أولئك الأعداء الذين هم أقرب الناس له، وأخصهم به، وهم الأولاد، والأزواج أن يعفو عنهم. ويصفح ولا يؤاخذهم. فيحذر منهم أولا، ويصفح
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»