أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٥٠
مشكلة مع قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شىء) *.
وأظهر الأقوال التي يزول بها الإشكال في الآية: هو ما ذكره أبو عبيد ونسبه القرطبي في تفسيره لجمهور العلماء أن قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم) *. ناسخ لقوله: * (يسألونك عن الأنفال) *. إلا أن قول أبي عبيد: إن غنائم بدر لم تخمس، لأن آية الخمس لم تنزل إلا بعد قسم غنائم بدر غير صحيح، ويدل على بطلانه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ) الحديث. فهذا نص صحيح في تخميس غنائم بدر، لأن قول علي في هذا الحديث الصحيح يومئذ صريح في أنه يعني يوم بدر كما ترى.
فالحاصل أن آية * (واعلموا أنما غنمتم) *. بينت أنه ليس المراد قصر الغنائم على الرسول المذكور في أول السورة، وأنها تعطى أربعة أخماس منها للغانمين، وقد ذكرنا آنفا أن أبا عبيد قال: إنها ناسخة لها، ونسبه القرطبي للجمهور، وسيأتي لهذا المبحث زيادة إيضاح إن شاء الله تعالى في الكلام على قوله: * (واعلموا أنما غنمتم) *. * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون * أولائك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم * كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكرهون * يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون * وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون * إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم) * قوله تعالى: * (وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا) *. في هذه الآية الكريمة التصريح بزيادة الإيمان، وقد صرح تعالى بذلك في مواضع أخر كقوله: * (وإذا مآ أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هاذه إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) *، وقوله: * (هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) *، وقوله: * (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين ءامنوا إيمانا) * وقوله: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) *.
وتدل هذه الآيات بدلالة الالتزام على أنه ينقص أيضا. لأن كل ما يزيد ينقص، وجاء مصرحا به في أحاديث الشفاعة الصحيحة كقوله: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال حبة من إيمان) ونحو ذلك. * (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السمآء مآء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الا قدام * إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذالك بأنهم شآقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب * ذالكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار * ياأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير * فلم تقتلوهم ولاكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولاكن الله رمى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم * ذالكم وأن الله موهن كيد الكافرين) * قوله تعالى: * (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) *.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ألقى النعاس على المؤمنين ليجعل قلوبهم آمنة غير خائفة من عدوها، لأن الخائف الفزع لا يغشاه النعاس، وظاهر سياق هذه الآية أن هذا النعاس ألقي عليهم يوم بدر، لأن الكلام
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»