أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٤٠
* (ولما جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولاكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلمآ أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين * قال ياموسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ مآ ءاتيتك وكن من الشاكرين * وكتبنا له فى الا لواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين * سأصرف عن ءاياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذالك بأنهم كذبوا بأاياتنا وكانوا عنها غافلين * والذين كذبوا بأاياتنا ولقآء الا خرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * قوله تعالى: * (قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى) *.
استدل المعتزلة النافون لرؤية الله بالأبصار يوم القيامة بهذه الآية على مذهبهم الباطل، وقد جاءت آيات تدل على أن نفي الرؤية المذكور، إنما هو في الدنيا، وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرونه جل وعلا بأبصارهم. كما صرح به تعالى في قوله: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) *، وقوله في الكفار: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * فإنه يفهم من مفهوم مخالفته أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه جل وعلا.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: * (ولدينا مزيد) *، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، وتحقيق المقام في المسألة: أن رؤية الله جل وعلا بالأبصار: جائزة عقلا في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الأدلة على جوازها عقلا في دار الدنيا: قول موسى * (رب أرنى أنظر إليك) * لأن موسى لا يخفى عليه الجائز والمستحيل في حق الله تعالى، وأما شرعا فهي جائزة وواقعة في الآخرة كما دلت عليه الآيات المذكورة، وتواترت به الأحاديث الصحاح، وأما في الدنيا فممنوعة شرعا كما تدل عليه آية (الأعراف) هذه، وحديث (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما أوضحناه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب). * (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) * قوله تعالى: * (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) *. بين في هذه الآية الكريمة سخافة عقول عبدة العجل، ووبخهم على أنهم يعبدون ما لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأوضح هذا في (طه) بقوله: * (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) *، وقد قدمنا في سورة (البقرة) أن جميع آيات اتخاذهم العجل إلاها حذف فيها المفعول الثاني في جميع القرآن كما في قوله هنا: * (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا) *. أي اتخذوه إلاها، وقد قدمنا أن النكتة في حذفه دائما التنبيه: على أنه لا ينبغي التلفظ بأن عجلا مصطنعا من جماد إله، وقد أشار تعالى إلى هذا المفعول المحذوف دائما في (طه) بقوله: * (فقالوا هاذآ إلاهكم وإلاه موسى) *. * (ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) * قوله تعالى: * (ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) *.
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»