بقوله: الرجز:
* والجمع واجب متى ما أمكنا * إلا فللأخير نسخ بينا * وهو ممكن في الحديثين بحمل حديث الحجاج بن عمرو على ما إذا اشترط ذلك في الإحرام فيتفق مع الحديثين الثابتين في الصحيح فإن قيل: يمكن الجمع بين الأحاديث بغير هذا وهو حمل أحاديث الاشتراط على أنه يحل من غير أن تلزمه حجة أخرى وحمل حديث عكرمة عن الحجاج بن عمرو وغيره على أنه يحل وعليه حجة أخرى ويدل لهذا الجمع أن أحاديث الاشتراط ليس فيها ذكر حجة أخرى.
وحديث الحجاج بن عمرو قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: فقد حل وعليه حجة أخرى.
فالجواب أن وجوب البدل بحجة أخرى أو عمرة أخرى لو كان يلزم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقضوا عمرتهم التي صدهم عنها المشركون.
قال البخاري في صحيحه في باب من قال ليس على المحصر بدل ما نصه: وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شئ قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج من الحرم. انتهى منه بلفظه.
وقد قال مالك في الموطأ إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا يعودوا لشئ. انتهى بلفظه من (الموطأ). ولا يعارض ما ذكرنا بما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهدوا الحديبية وكانت عدتهم ألفين؛ لأن الشافعي رحمه الله قال: والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت؛ لأنا علمنا من متواطىء أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال اه فهذا الشافعي رحمه الله جزم بأنهم تخلف منهم رجال معروفون من غير ضرورة في نفس ولا مال. وقد تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي.