المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة حيث ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين.
إحداهما: هي قوله هنا: * (فأتوا حرثكم) *؛ لأن قوله: * (فاتوا) * أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله: * (حرثكم) * يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى؛ لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد كما هو ضروري.
الثانية: قوله تعالى: * (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) *؛ لأن المراد بما كتب الله لكم الولد على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير وقد نقله عن ابن عباس ومجاهد والحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والربيع والضحاك بن مزاحم ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل. فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه بمعنى الجماع فيكون معنى الآية فالآن باشروهن ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد الذي هو القبل دون غيره بدليل قوله: * (وابتغوا ما كتب الله لكم) * يعني الولد.
ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى: * (أنى شئتم) * يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب أو غير ذلك ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) *.
فظهر من هذا أن جابرا رضي الله عنه يرى أن معنى الآية فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها.
والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله: الرجز:
* تفسير صاحب له تعلق * بالسبب الرفع له محقق * وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * ما نصه: وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: * (أنى شئتم) * شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها؛ إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان