أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٧٧
والإحصار يستعملان في الجميع أبو نصر القشيري.
قال مقيده عفا الله عنه لا شك في جواز إطلاق الإحصار على ما كان من العدو كما سترى تحقيقه إن شاء الله هذا حاصل كلام أهل العربية في معنى الإحصار. وأما المراد به في الآية الكريمة فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه وهذا قول ابن عباس وابن عمر وأنس وابن الزبير وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وبه قال مروان وإسحاق وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن أحمد بن حنبل وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم الله.
وعلى هذا القول أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل حتى يبرأ من مرضه ويطوف بالبيت ويسعى فيكون متحللا بعمرة وحجة هذا القول متركبة من أمرين:
الأول: أن الآية الكريمة التي هي قوله تعالى: * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى) * نزلت في صد المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست بإطباق العلماء.
وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو الذي هو سبب نزولها قطعي فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه؛ وروي عن مالك رحمه الله أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعيته وهو خلاف قول الجمهور وإليه أشار في مراقي السعود بقوله: الرجز:
* واجزم بإدخال ذوات السبب * وارو عن الإمام ظنا تصب * وبهذا تعلم أن إطلاق الإحصار بصيغة الرباعي على ما كان من عدو صحيح في اللغة العربية بلا شك كما ترى وأنه نزل به القرءان العظيم الذي هو في أعلى درجات الفصاحة والإعجاز.
الأمر الثاني: ما ورد من الآثار في أن المحصر بمرض ونحوه لا يتحلل إلا بالطواف والسعي فمن ذلك ما رواه الشافعي في مسنده والبيهقي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو.
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»