.
القول الثاني: في المراد بالإحصار أنه يشمل ما كان من عدو ونحوه وما كان من مرض ونحوه من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم. وممن قال بهذا القول ابن مسعود ومجاهد وعطاء وقتادة وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وعلقمة والثوري والحسن وأبو ثور وداود وهو مذهب أبي حنيفة. وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله.
وأما من جهة شموله للإحصار بمرض فهي ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والحاكم والبيهقي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق.
وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: من عرج أو كسر أو مرض فذكر معناه.
وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي: من حبس بكسر أو مرض هذا الحديث سكت عليه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي.
وقال النووي في شرح المهذب بعد أن ساق حديث عكرمة هذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة وبهذا تعلم قوة حجة أهل هذا القول ورد المخالفون الاحتجاج بحديث عكرمة هذا من وجهين:
الأول: ما ذكره البيهقي في السنن الكبرى قال: وقد حمله بعض أهل العلم إن صح على أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض. فقد روينا عن ابن عباس ثابتا عنه قال: لا حصر إلا حصر عدو والله أعلم. انتهى منه بلفظه.
الوجه الثاني: هو حمل حله المذكور في الحديث على ما إذا اشترط في إحرامه أنه يحل حيث حبسه الله بالعذر والتحقيق: جواز الاشتراط في الحج بأن يحرم ويشترط أن محله حيث حبسه الله ولا عبرة بقول من منع الاشتراط؛ لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير. فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني. وكانت تحت المقداد بن الأسود.