أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٨٠
وقد أخرج مسلم في صحيحه وأحمد وأصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ضباعة بنت الزبير قالت: يا رسول الله إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فكيف تأمرني أأهل؟ قال: أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال: فأدركت.
وللنسائي في رواية: وقال: فإن لك على ربك ما استثنيت.
القول الثالث: في المراد بالإحصار أنه ما كان من المرض ونحوه خاصة دون ما كان من العدو.
وقد قدمنا أنه المنقول عن أكثر أهل اللغة وإنما جاز التحلل من إحصار العدو عند من قال بهذا القول؛ لأنه من إلغاء الفارق وأخذ حكم المسكوت عنه من المنطوق به فإحصار العدو عندهم ملحق بإحصار المرض بنفي الفارق.
ولا يخفى سقوط هذا القول لما قدمنا من أن الآية الكريمة نزلت في إحصار العدو عام الحديبية وأن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما عليه الجمهور وهو الحق.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة؛ لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية ودل عليه قوله تعالى: * (فإذا أمنتم) *.
ولا سيما على قول من قال من العلماء: إن الرخصة لا تتعدى محلها وهو قول جماعة من أهل العلم.
وأما حديث عكرمة الذي رواه عن الحجاج بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم فلا تنهض به حجة؛ لتعين حمله على ما إذا اشترط ذلك عند الإحرام؛ بدليل ما قدمنا من حديث عائشة عند الشيخين وحديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن وغيرهم من أنه صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: حجي واشترطي ولو كان التحلل جائزا دون شرط كما يفهم من حديث الحجاج بن عمرو لما كان للاشتراط فائدة وحديث عائشة وابن عباس بالاشتراط أصح من حديث عكرمة عن الحجاج بن عمرو والجمع بين الأدلة واجب إذا أمكن وإليه أشار في مراقي السعود
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»