إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * فإن كانت دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق فإنها تضر أكثر مما تنفع فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسنادا مطلقا إلا لمن جمع بين العلم والحكمة والصبر على أذى الناس لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم وهو مستلزم للأذى من الناس لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة وأغراضهم الباطلة ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده فيما قص الله عنه: * (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك الآية) * ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل أو مخرجي هم؟ يعني قريشا أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما ترك الحق لعمر صديقا واعلم أنه لا يحكم على الأمر بأنه منكر إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين.
وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرا فالمصيب منهم مأجور بإصابته والمخطىء منهم معذور كما هو معروف في محله.
واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين: طريق لين وطريق قسوة. أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه. فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت وهو المطلوب وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده وتقام حدوده وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى: * (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) *.
ففيه الإشارة إلى أعمال السيف بعد إقامة الحجة فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرءان. * * المسألة الثالثة: يشترط في جواز الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين. قال في مراقي السعود: