أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٣٨٢
ما تقرر في الأصول من أن مفهوم المخالفة إذا كان محتملا لمعنى آخر غير مخالفته لحكم المنطوق يمنعه ذلك من الاعتبار.
قال صاحب (جمع الجوامع) في الكلام على مفهوم المخالفة: وشرطه ألا يكون المسكوت ترك لخوف ونحوه إلى أن قال: أو غيره مما يقتضي التخصيص بالذكر فإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى الحر: * (بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * يدل على قتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ولم يتعرض لقتل الأنثى بالذكر أو العبد بالحر ولا لعكسه بالمنطوق.
ومفهوم مخالفته هنا غير معتبر. لأن سبب نزول الآية أن قبيلتين من العرب اقتتلتا فقالت إحداهما: نقتل بعبدنا فلان بن فلان وبأمتنا فلانة بنت فلان تطاولا منهم عليهم وزعما أن العبد منهم بمنزلة الحر من أولئك وأن أنثاهم أيضا بمنزلة الرجل من الآخرين تطاولا عليهم وإظهارا لشرفهم عليهم ذكر معنى هذا القرطبي عن الشعبي وقتادة.
وروى ابن أبي حاتم نحوه عن سعيد بن جبير نقله عنه ابن كثير في تفسيره والسيوطي في أسباب النزول وذكر ابن كثير أنها نزلت في قريظة والنضير لأنهم كان بينهم قتال وبنو النضير يتطاولون على بني قريظة.
فالجميع متفق على أن سبب نزولها أن قوما يتطاولون على قوم ويقولون: إن العبد منا لا يساويه العبد منكم وإنما يساويه الحر منكم والمرأة منا لا تساويها المرأة منكم وإنما يساويها الرجل منكم فنزل القرآن مبينا أنهم سواء وليس المتطاول منهم على صاحبه بأشرف منه ولهذا لم يعتبر مفهوم المخالفة هنا.
وأما قتل الحر بالعبد فقد اختلف فيه وجمهور العلماء على أنه لا يقتل حر بعبد منهم مالك وإسحاق وأبو ثور والشافعي وأحمد.
وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وعلي وزيد وابن الزبير رضي الله عنهم وعمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو بن دينار كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني وغيره.
وقال أبو حنيفة: يقتل الحر بالعبد: وهو مروي عن سعيد بن المسيب والنخعي وقتادة والثوري واحتج هؤلاء على قتل الحر بالعبد بقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون تتكافؤ
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»