تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٤
* (وحين البأس) * أي: وقت القتال للأعداء المأمور بقتالهم لأن الجلاد يشق غاية المشقة على النفس ويجزع الإنسان من القتل أو الجراح أو الأسر فاحتيج إلى الصبر في ذلك احتسابا ورجاء لثواب الله [تعالى] الذي منه النصر والمعونة التي وعدها الصابرين * (أولئك) * أي: المتصفون بما ذكر من العقائد الحسنة والأعمال التي هي آثار الإيمان وبرهانه ونوره والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقته الإنسانية فأولئك هم * (الذين صدقوا) * في إيمانهم لأن أعمالهم صدقت إيمانهم * (وأولئك هم المتقون) *؛ لأنهم تركوا المحظور وفعلوا المأمور؛ لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير تضمنا ولزوما لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية أكبر العبادات ومن قام بها كان بما سواها أقوم فهؤلاء هم الأبرار الصادقون المتقون وقد علم ما رتب الله على هذه الأمور الثلاثة من الثواب الدنيوي والأخروي مما لا يمكن تفصيله في [مثل] هذا الموضع (178 - 179) * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم * ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) * يمتن تعالى على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم * (القصاص في القتلى) * أي: المساواة فيه وأن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول إقامة للعدل والقسط بين العباد وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه إعانة ولي المقتول إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد ويمنعوا الولي من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية ومن أشبههم من أيواء المحدثين ثم بين تفصيل ذلك فقال: * (الحر بالحر) * يدخل بمنطوقها الذكر بالذكر والذكر بالأنثى فيكون منطوقها مقدما على مفهوم قوله: الأنثى بالأنثى مع دلالة السنة على أن الذكر يقتل بالأنثى وخرج من عموم هذا الأبوان وإن علوا فلا يقتلان بالولد لورود السنة بذلك مع أن في قوله: * (القصاص) * ما يدل على أنه ليس من العدل أن يقتل الوالد بولده ولأن ما في قلب الوالد من الشفقة والرحمة ما يمنعه من القتل لولده إلا بسبب اختلال في عقله أو أذية شديدة جدا من الولد له وخرج من العموم أيضا الكافر بالسنة مع أن الآية في خطاب المؤمنين خاصة وأيضا فليس من العدل أن يقتل ولي الله بعدوه والعبد بالعبد ذكرا كان أو أنثى تساوت قيمهما أو اختلفت ودل بمفهومها على أن الحر لا يقتل بالعبد لكونه غير مساو له والأنثى بالأنثى أخذ بمفهومها بعض أهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة وتقدم وجه ذلك وفي هذه الآية دليل على أن الأصل وجوب القود في القتل وأن الدية بدل عنه فلهذا قال: * (فمن عفي له من أخيه شيء) * أي: عفا ولي المقتول عن القاتل إلى الدية أو عفا بعض الأولياء فإنه يسقط القصاص وتجب الدية وتكون الخيرة في القود واختيار الدية إلى الولي فإذا عفا عنه وجب على الولي [أي: ولي المقتول] أن يتبع القاتل * (بالمعروف) * من غير أن يشق عليه ولا يحمله ما لا يطيق بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه وعلى القاتل * (أداء إليه بإحسان) * من غير مطل ولا نقص ولا إساءة فعلية أو قولية فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو إلا الإحسان بحسن القضاء وهذا مأمور به في كل ما يثبت في ذمم الناس للإنسان مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف ومن عليه الحق بالأداء بإحسان وفي قوله: * (فمن عفي له من أخيه) * ترقيق وحث على العفو إلى الدية وأحسن من ذلك العفو مجانا وفي قوله: * (أخيه) * دليل على أن القاتل لا يكفر لأن المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان فلم يخرج بالقتل منها ومن باب أولى أن سائر المعاصي التي هي دون الكفر لا يكفر بها فاعلها وإنما ينقص بذلك إيمانه وإذا عفا أولياء المقتول أو عفا بعضهم احتقن دم القاتل وصار معصوما منهم ومن غيرهم ولهذا قال: * (فمن اعتدى بعد ذلك) * أي:
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»