تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٢٤
العقاب، وينزل بهم العذاب. ف * (لو يعلم الذين كفروا) * حالهم الشنيعة * (حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) * إذ قد أحاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان * (ولا هم ينصرون) * أي: لا ينصرهم غيرهم، فلا نصروا ولا انتصروا. * (بل تأتيهم) * النار * (بغتة فتبهتهم) * من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. * (فلا يستطيعون ردها) * إذ هم أذل وأضعف، من ذلك. * (ولا هم ينظرون) * أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة، لما استعجلوا بالعذاب، ولخافوه أشد الخوف، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم، قالوا ما قالوا، ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم * (أهذا الذي يذكر آلهتكم) * سلاه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم فقال: * (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم) *، أي: نزل بهم * (ما كانوا به يستهزؤون) * أي: نزل بهم العذاب، وتقطعت عنهم الأسباب، فليحذر هؤلاء، أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين. * (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحم ن بل هم عن ذكر ربهم معرضون * أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون * بل متعنا ه ؤلاء وآبآءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافهآ أفهم الغالبون) * يقول تعالى ذاكرا عجز هؤلاء، الذين اتخذوا من دونه آلهة، وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن، الذي رحمته، شملت البر، والفاجر، في ليلهم ونهارهم فقال: * (قل من يكلؤكم) * أي: يحرسكم ويحفظكم * (بالليل) * إذا كنتم نائمين على فرشكم، وذهبت حواسكم * (والنهار) * وقت انتشاركم وغفلتكم * (من الرحمن) * أي: بدله غيره، أي: هل يحفظكم أحد غيره؟ لا حافظ إلا هو. * (بل هم عن ذكر ربهم معرضون) * فلهذا أشركوا به، وإلا فلو أقبلوا على ربهم، وتلقوا نصائحه، لهدوا لرشدهم، ووفقوا في أمرهم. * (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) * أي: إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم، من يقدر على منعهم من ذلك السوء، والشر النازل بهم. * (لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون) * أي: لا يعانون على أمورهم من جهتنا، وإذا لم يعانوا من الله، فهم مخذولون في أمورهم، لا يستطيعون جلب منفعة، ولا دفع مضرة. والذي أوجب لهم استمرارهم على كفرهم، وشركهم قوله: * (بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر) * أي: أمددناهم بالأموال والبنين، وأطلنا أعمارهم، فاشتغلوا بالتمتع بها، ولهوا بها، عما له خلقوا، وطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وعظم طغيانهم، وتغلظ كفرانهم، فلو لفتوا أنظارهم إلى من عن يمينهم، وعن يسارهم من الأرض، لم يجدوا إلا هالكا، ولم يسمعوا إلا صوت ناعية، ولم يحسوا إلا بقرون متتابعة على الهلاك، وقد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس، الأشراك. ولهذا قال: * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * أي: بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فلو رأوا هذه الحالة، لم يغتروا، ويستمروا على ما هم عليه. * (أفهم الغالبون) * الذين بوسعهم، الخروج عن قدر الله؟ وبطاقتهم الامتناع عن الموت؟ فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟ أم إذا جاءهم رسول ربهم لقبض أرواحهم، أذعنوا، وذلوا، ولم يظهر منهم أدنى ممانعة؟ * (قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) * أي: * (قل) * يا محمد، للناس كلهم: * (إنما أنذركم بالوحي) * أي: إنما أنا رسول، لا آتيكم بشيء من عندي، ولا عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول إني ملك، وإنما أنذركم بما أوحاه الله إلي، فإن استجبتم، فقد استجبتم لله، وسيثيبكم على ذلك، وإن أعرضتم وعارضتم، فليس بيدي من الأمر شيء، وإنما الأمر لله، والتقدير كله لله. * (ولا يسمع الصم الدعاء) * أي: الأصم لا يسمع صوتا، لأن سمعه قد فسد وتعطل، وشرط السماع مع الصوت، أن يوجد محل قابل لذلك، كذلك الوحي سبب لحياة القلوب والأرواح، والفقه عن الله، ولكن إذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى، كان بالنسبة للهدى والإيمان، بمنزلة الأصم، بالنسبة إلى الأصوات، فهؤلاء المشركون، صم عن الهدى، فلا يستغرب عدم اهتدائهم، خصوصا في هذه الحالة، التي لم يأتهم العذاب، ولا مسهم ألمه. * (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) * أي: ولو جزء يسير من عذابه. * (ليقولن يا ويلنا إنا كان ظالمين) * أي: لم يكن قولهم إلا الدعاء بالويل والثبور، والندم، والاعتراف بظلمهم وكفهرم واستحقاقهم العذاب. * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) * يخبر تعالى عن حكمه العدل، وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم يوم القيامة، وأنه يضع لهم الموازين العادلة، التي يبين فيها مثاقيل الذر، الذي توزن به الحسنات
(٥٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 ... » »»