وعظمتها، ولونها الحسن، وإتقانها العجيب، وغير ذلك من المشاهد فيها، من الكواكب الثوابت، والسيارات، وشمسها، وقمرها النيرات، المتولد عنهما، الليل والنهار، وكونهما دائما في فلكهما سابحين، وكذلك النجوم. فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد، والفصول، ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم، ويستريحون في ليلهم، ويهدؤون ويسكنون وينتشرون في نهارهم، ويسعون في معايشهم. كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب، وأمعن فيها النظر، جزم جزما لا شك فيه، أن الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم، إلى أجل محتوم، يقضي العباد منها مآربهم، وتقوم بها منافعهم، وليستمتعوا وينتفعوا. ثم بعد هذا، ستزول وتضمحل، ويفنيها الذي أوجدها، ويسكنها الذي حركها. وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار، يجدون فيها جزاء أعمالهم، كاملا موفرا ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار، وأنها منزل سفر، لا محل إقامة. * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) * لما كان أعداء الرسول يقولون: * (تربصوا به ريب المنون) * قال الله تعالى: هذا طريق مسلوك ومعبد، منهوك، فلم نجعل لبشر * (من قبلك) * يا محمد * (الخلد) * في الدنيا، فإذا مت، فسبيل أمثالك، من الرسل والأنبياء، والأولياء. * (أفإن مت فهم الخالدون) * أي: فهل إذا مت خلدوا بعدك، فليهنهم الخلود، إذا، إن كان، وليس الأمر كذلك، بل كل من عليها فان، ولهذا قال: * (كل نفس ذائقة الموت) *، وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى، وعمر سنين. ولكن الله تعالى، أوجد عباده في الدنيا، وأمرهم، ونهاهم، وابتلاهم بالخير والشر، وبالغنى والفقر، والعز والذل، والحياة والموت، فتنة منه تعالى * (ليبلوهم أيهم أحسن عملا) * ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو. * (وإلينا ترجعون) * فنجازيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر * (وما ربك بظلام للعبيد) *. وهذه الآية، تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر، وأنه مخلد في الدنيا، فهو قول، لا دليل عليه، ومناقض للأدلة الشرعية. * (وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أه ذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحم ن هم كافرون * خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون * ويقولون متى ه ذا الوعد إن كنتم صادقين * لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون * بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون * ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون) * وهذا من شدة كفرهم، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، استهزؤوا به، وقالوا: * (هذا الذي يذكر آلهتكم) *، أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها، أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به. هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه، إخلاص العبادة لله، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته. ولكن محل الازدراء والاستهزاء، هؤلاء الكفار، الذين جمعوا كل خلق ذميم، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب، وجحدهم لرسله فصاروا بذلك، من أخسأ الخلق وأراذلهم، ومع هذا، فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون به، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: * (وهم بذكر الرحمن هم كافرون) * وفي ذكر اسمه * (الرحمن) * هنا، بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي، ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا هو بالكفر والشرك. * (خلق الإنسان من عجل) * أي: خلق عجولا، يبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، فالمؤمنون، يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويستبطئونها، والكافرون، يتولون ويستعجلون بالعذاب، تكذيبا وعنادا، ويقولون: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * والله تعالى، يمهل ولا يهمل ويحلم، ويجعل لهم أجلا مؤقتا * (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) *. ولهذا قال: * (سأريكم آياتي) * أي: في انتقامي ممن كفر بي وعصاني * (فلا تستعجلون) * ذلك، وكذلك الذين كفروا يقولون: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * قالوا هذا القول، اغترارا، ولما يحق عليهم
(٥٢٣)