تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٢٢
ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إل ه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) * يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا قبحهم الله أن الله اتخذ ولدا فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم. وأخبر عن وصف الملائكة، بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد ألزمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره. * (لا يسبقونه بالقول) * أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة، حتى يقول الله، لكمال أدبهم، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه. * (وهم بأمره يعملون) * أي: مهما أمرهم، امتثلوا لأمره، ومهما دبرهم عليه، فعلوه. فلا يعصونه طرفة عين، ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله، ومع هذا، فالله قد أحاط بهم علمه. * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * أي: أمورهم الماضية والمستقبلة، فلا خروج لهم عن علمه، كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره. ومن جزئيات وصفهم بأنهم لا يسبقونه بالقول، وأنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه، ورضاه، فإذا أذن لهم، وارتضى من يشفعون فيه، شفعوا فيه، ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل، إلا ما كان خالصا لوجهه، متبعا فيه الرسول. وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة، وأن الملائكة يشفعون. * (وهم من خشيته مشفقون) * أي: خائفون وجلون، قد خضعوا لجلاله، وعنت وجوههم لعزه وجماله. فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية، ولا يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك ذكر أيضا أنه لاحظ لهم، من الألوهية، ولا بمجرد الدعوى، وأن من قال منهم: * (إني إله من دونه) * على سبيل الفرض والتنزل * (فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) *. وأي: ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص، الفقير إلى الله من جميع الوجوه، مشاركته الله في خصائص الإلهية والربوبية؟!! * (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) * أي: أو لم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم، وجحدوا الإخلاص له في العبودية، ما يدلهم دلالة مشاهدة، على أنه الرب المحمود الكريم المعبود، فيشاهدون السماء والأرض، فيجدونهما رتقا: هذه ليس فيها سحاب ولا مطر. وهذه هامدة ميتة، لا نبات فيها، ففتقناهما: السماء بالمطر، والأرض بالنبات، أليس الذي أوجد في السماء السحاب، بعد أن كان الجو صافيا لا قزعة فيه، وأودع فيه الماء الغزير، ثم ساقه إلى بلد ميت؛ قد اغبرت أرجاؤه، وقحط عنه ماؤه، فأمطره فيها، فاهتزت، وتحركت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، مختلف الأنواع، متعدد المنافع، أليس ذلك دليلا على أنه الحق، وما سواه باطل، وأنه محيي الموتى، وأنه الرحمن الرحيم؟ ولهذا قال: * (أفلا يؤمنون) * أي: إيمانا صحيحا، ما فيه شك ولا شرك. * (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) * ثم عدد تعالى الأدلة الأفقية فقال: * (وجعلنا في الأرض) * (إلي) * (في فلك يسبحون) *. أي: ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته، ورحمته، أنه لما كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال، أرساها بها وأوتدها، لئلا تميد بالعباد، أي: لئلا تضطرب، فلا يتمكن العباد من السكون فيها، ولا حرثها، ولا الاستقرار بها. فأرساها بالجبال، فحصل بسبب ذلك، من المصالح والمنافع، ما حصل، ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض، قد اتصلت اتصالا كثيرا جدا، فلو بقيت بحالها، جبالا شامخات، وقللا باذخات، لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان. فمن حكمة الله ورحمته، أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا. أي: طرقا سهلة لا حزنة، لعلم يهتدون إلى الوصول، إلى مطالبهم من البلدان، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان. * (وجعلنا السماء سقفا) * للأرض التي أنتم عليهم * (محفوظا) * من السقوط * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع. * (وهم عن آياتها معرضون) * أي: غافلون لاهون، وهذا عام في جميع آيات السماء، من علوها، وسعتها،
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»