تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٨٨
واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) * أي: قل يا محمد، للناس على وجه التحذير والإنذار: هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟ * (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا) * أي: بطل واضمحل كل ما عملوه، من عمل، وهم يحسبون أنهم محسنون في صنعه، فكيف بأعمالهم، التي يعلمون أنها باطلة، وأنها محادة لله ورسله، ومعاداة؟ فمن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟ ألا ذلك هو الخسران المبين. * (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه) * أي: جحدوا الآيات القرآنية والآيات العيانية، الدالة على وجوب الإيمان به، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر. * (فحبطت) * بسبب ذلك * (أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * لأن الوزن فائدته، مقابلة الحسنات بالسيئات، والنظر في الراجح منها والمرجوح، وهؤلاء، لا حسنات لهم، لعدم شرطها، وهو: الإيمان، كما قال تعالى: * (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) *، لكن تعد أعمالهم، وتحصى، ويقررون بها، ويخزون بها على رؤوس الأشهاد، ثم يعذبون عليها، ولهذا قال: * (ذلك جزاؤهم) * أي: حبوط أعمالهم، وأنه لا يقام لهم يوم القيامة، وزن، لحقارتهم وخستهم، بكفرهم بآيات الله، واتخاذهم آياته ورسله، هزوا يستهزؤون بها، ويسخرون منهم، مع أن الواجب في آيات الله ورسله، الإيمان التام بها، والتعظيم لها، والقيام بها أتم القيام، وهؤلاء عكسوا القضية، فانعكس أمرهم، وتعسوا، وانتكسوا في العذاب. * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) * ولما بين مآل الكافرين وأعمالهم، بين أعمال المؤمنين ومآلهم فقال: * (إن الذين آمنوا) * (إلي) * (حولا) *. أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وشمل هذا الوصف جميع الدين، عقائده، وأعماله، أصوله، وفروعه الظاهرة، والباطنة، فهؤلاء على اختلاف طبقاتهم من الإيمان، والعمل الصالح لهم جنات الفردوس. يحتمل أن المراد بجنات الفردوس، أعلى الجنة، ووسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان، والعمل الصالح، وهم الأنبياء والمقربون. ويحتمل أن يراد بها، جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين، لعمومه، ولذكر الجنة، بلفظ الجمع المضاف إلى الفردوس، وأن الفردوس يطلق على البستان، المحتوي على الكرم، أو الأشجار الملتفة، وهذا صادق على جميع الجنة. فجنة الفردوس، نزل، وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأي ضيافة أجل، وأكبر، وأعظم، من هذه الضيافة، المحتوية على كل نعيم، للقلوب، والأرواح، والأبدان، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من المنازل الأنيقة، والرياض الناضرة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة المشجية، والمآكل اللذيذة، والمشارب الشهية، والنساء الحسان، والخدم، والولدان، والأنهار السارحة، والمناظر الرائقة، والجمال الحسي والمعنوي، والنعمة الدائمة. وأعلى ذلك وأفضله وأجله، التنعم بالقرب من الرحمن ونيل رضاه، الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتع برؤية وجهه الكريم، وسماع كلام الرؤوف الرحيم. فلله تلك الضيافة، ما أجلها وأجملها، وأدومها، وأكملها، وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق، أو تخطر على القلوب، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم، علما حقيقيا، يصل إلى قلوبهم، لطارت إليهم قلوبهم بالأشواق، ولتقطعت أرواحهم، من ألم الفراق، ولساروا إليها زرافات ووحدانا، ولم يؤثروا عليها دنيا فانية، ولذات منغصة متلاشية، ولم يفوتوا أوقاتا، تذهب ضائعة خاسرة، يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب، آلاف مؤلفة، ولكن الغفلة شملت، والإيمان ضعف، والعلم قل، والإرادة وهت فكان ما كان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقوله: * (خالدين فيها) * هذا هو تمام النعيم، إن فيها، النعيم الكامل، ومن تمامه أنه لا ينقطع * (لا يبغون عنها حولا) *. أي: تحولا ولا انتقالا، لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم، ويسرهم ويفرحهم، ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه. * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) * أي: قل لهم مخبرا عن عظمة الباري، وسعة صفاته، وأنها لا يحيط العباد بشيء منها: * (لو كان البحر) * أي: هذه الأبحر الموجودة في العالم، * (مدادا
(٤٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 ... » »»