قال سليمان عليه السلام، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ، مع البعد العظيم قال: * (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) *، بخلاف أهل التجبر والتكبر، والعلو في الأرض فإن النعم الكبار، تزيدهم أشرا وبطرا. كما قال قارون لما آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتحة لتنوء بالعصبة أولى القوة قال: * (إنما أوتيته على علم عندي) *. وقوله: * (فإذا جاء وعد ربي) * أي: لخروج يأجوج ومأجوج * (جعله) * أي: ذلك السد المحكم المتقن * (دكاء) * أي: دكه فانهدم، واستوى هو والأرض * (وكان وعد ربي حقا) *. * (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) * * (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) * يحتمل أن الضمير، يعود إلى يأجوج ومأجوج. وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض، كما قال تعالى: * (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) *. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة، وأنهم يجتمعون فيه فيكثرون ويموج بعضهم ببعض، من الأهوال والزلازل العظام، بدليل قوله: * (وتركنا بعضهم) * إلى * (لا يستطيعون سمعا) * أي: إذا نفخ إسرافيل في الصور، أعاد الله الأرواح إلى الأجساد، ثم حشرهم، وجمعهم لموقف القيامة، الأولين منهم والآخرين، والكافرين والمؤمنين، ليسألوا ويحاسبوا ويجزوا بأعمالهم، فأما الكافرون على اختلافهم فإن جهنم جزاؤهم، خالدين فيها أبدا. ولهذا قال: * (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) * كما قال تعالى: * (وبرزت الجحيم) * أي: عرضت لهم لتكون مأواهم ومنزلهم، وليتمتعوا بأغلالها وسعيرها، وحميمها، وزمهريرها، وليذوقوا من العقاب، ما تبكم له القلوب، وتصم الآذان، وهذا آثار أعمالهم، وجزاء أفعالهم، فإنهم في الدنيا * (كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) * أي: معرضين عن الذكر الحكيم، والقرآن الكريم، وقالوا: * (قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) *، وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة كما قال تعالى: * (وعلى أبصارهم غشاوة) *. * (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان، لبغضهم القرآن والرسول، فإن المبغض، لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير، فليس لهم سمع ولا بصر، ولا عقل نافع، فقد كفروا بالله، وجحدوا آياته، وكذبوا رسله، فاستحقوا جهنم، وساءت مصيرا. * (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) * وهذا برهان وبيان، لبطلان دعوى المشركين الكافرين، الذين اتخذوا بعض الأنبياء والأولياء، شركاء لله يعبدونهم، ويزعمون أنهم يكونون لهم أولياء، ينجونهم من عذاب الله، وينيلونهم ثوابه، وهم قد كفروا بالله وبرسوله. يقول الله لهم على وجه الاستفهام والإنكار المتقرر بطلانه في العقول: * (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) * أي: لا يكون ذلك ولا يوالي ولي الله، معاديا لله أبدا، فإن الأولياء موافقون لله، في محبته، ورضاه، وسخطه، وبغضه، فيكون على هذا المعنى، مشابها لقوله تعالى: * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) *. فمن زعم أنه يتخذ ولي الله وليا له، وهو معاد لله، فهو كاذب، ويحتمل وهو الظاهر أن المعنى: أفحسب الكفار بالله، المنابذون لرسله، أن يتخذوا من دون الله أولياء ينصرونهم، وينفعونهم من دون الله، ويدفعون عنهم الأذى؟ هذا حسبان باطل، وظن فاسد، فإن جميع المخلوقين، ليس بيدهم من النفع والضر، شيء. ويكون هذا، كقوله تعالى: * (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) *، * (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) *، ونحو ذلك من الآيات التي يذكر الله فيها، أن المتخذ من دونه وليا ينصره ويواليه، ضال خائب الرجاء، غير نائل لبعض مقصوده. * (إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) * أي: ضيافة وقرى فبئس النزل نزلهم، وبئست جهنم، ضيافتهم. * (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أول ئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا
(٤٨٧)