تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢١٨
يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها، ويشرحها لكم، فضلا منه وإحسانا، لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه، ولئلا تضلوا عن الصراط المستقيم، بسبب جهلكم، وعدم علمكم. * (والله بكل شيء عليم) * أي: عالم بالغيب والشهادة، والأمور الماضية والمستقبلة ويعلم حاجتكم إلى بيانه، وتعليمه، فيعلمكم من علمه الذي ينفعكم على الدوام، في جميع الأزمنة والأمكنة. تم بعونه تعالى تفسير سورة النساء. فلله الحمد والشكر. سورة المائدة * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد) * هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالوفاء بالعقود أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين، والأقارب، ببرهم، وصلتهم، وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع، والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات، كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله بينهم في قوله: * (إنما المؤمنون إخوة) * بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع. فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها. ثم قال: ممتنا على عباده * (أحلت لكم) * أي لأجلكم، رحمة بكم * (بهيمة الأنعام) * من الإبل والبقر والغنم. بل ربما دخل في ذلك الوحش منها، والظباء، وحمر الوحش ونحوها، من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الآية، على إباحة الجنين، الذي يموت في بطن أمه، بعدما تذبح. * (إلا ما يتلى عليكم) * تحريمه منها في قوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) * إلى آخر الآية. فإن هذه المذكورات، وإن كانت من بهيمة الأنعام، فإنها محرمة. ولما كانت إباحة بهيمة الأنعام عامة في جميع الأحوال والأوقات، استثنى منها الصيد في حال الإحرام فقال: * (غير محلي الصيد وأنتم حرم) * أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال، إلا حيث كنتم متصفين بأنكم، غير محلي الصيد، وأنتم حرم، أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام، فإن ذلك لا يحل لكم، إذا كان صيدا، كالظباء ونحوه. والصيد هو: الحيوان المأكول المتوحش. * (إن الله يحكم ما يريد) * أي: فمهما أراده تعالى، حكم به حكما موافقا لحكمته، كما أمركم بالوفاء بالعقود، لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم. وأحل لكم بهيمة الأنعام، رحمة بكم، وحرم عليكم ما استثنى منها، من ذوات العوارض، من الميتة ونحوها، صونا لكم، واحتراما، ومن صيد الإحرام، احتراما للإحرام، وإعظاما. * (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * يقول تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) * أي: محرماته، التي أمركم بتعظيمها، وعدم فعلها. فالنهي يشمل النهي عن فعلها، والنهي عن اعتقاد حلها؛ فهو يشمل النهي، عن فعل القبيح، وعن اعتقاده. ويدخل في ذلك، النهي عن محرمات الإحرام، ومحرمات الحرم. ويدخل في ذلك ما نص عليه بقوله: * (ولا الشهر الحرام) * أي: لا تنتهكوه بالقتال فيه وغيره، من أنواع الظلم كما قال تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) *. والجمهور من العلماء، على أن القتال في الأشهر الحرم، منسوخ بقوله تعالى: * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * وغير ذلك من العمومات، التي فيها الأمر بقتال الكفار مطلقا، والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»