من أعظم مقويات القلب. ومنها: أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالأعداء. كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) *. فأمر بالإكثار منه في هذه الحال، إلى غير ذلك من الحكم. وقوله: * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * أي: إذا أمنتم من الخوف، واطمأنت قلوبكم وأبدانكم، فأقيموا صلاتكم على الوجه الأكمل، ظاهرا وباطنا، بأركانها وشروطها، وخشوعها، وسائر مكملاتها. * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * أي: مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتا، لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات، التي قد تقررت عند المسلمين، صغيرهم، وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي). ودل قوله: * (على المؤمنين) * على أن الصلاة ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد، تكون صلاته، وتتم وتكمل. ويدل ذلك، على أن الكفار وإن كانوا ملتزمين لأحكام المسلمين كأهل الذمة أنهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة، ولا يؤمرون بها، بل ولا تصح منهم، ما داموا على كفرهم، وإن كانوا يعاقبون عليها، وعلى سائر الأحكام، في الآخرة. * (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما) * أي: لا تضعفوا ولا تكسلوا، في ابتغاء عدوكم من الكفار، أي: في جهادهم، والمرابطة على ذلك فإن وهن القلب، مستدع لوهن البدن، وذلك يضعف عن مقاومة الأعداء. بل كونوا أقوياء، نشيطين في قتالهم. ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين: الأول: أن ما يصيبكم من الألم، والتعب، والجراح ونحو ذلك، فإنه يصيب أعداءكم. فليس من المروءة الإنسانية، والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وهم وقد تساويتم فيما يوجب ذلك. لأن العادة الجارية، أن لا يضعف، إلا من توالت عليه الآلام وانتصر عليه الأعداء على الدوام. لا من يدال له مرة، ويدال عليه أخرى. الأمر الثاني: أنكم ترجون من الله ما لا يرجون. فترجون الفوز بثوابه، والنجاة من عقابه. بل خواص المؤمنين، لهم مقاصد عالية، وآمال رفيعة، من نصر دين الله، وإقامة شرعه، واتساع دائرة الإسلام، وهداية الضالين، وقمع أعداء الدين. فهذه الأمور، توجب للمؤمن المصدق، زيادة القوة، وتضاعف النشاط، والشجاعة التامة؛ لأن من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي، إن ناله، ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والأخروية، والفوز برضوان الله وجنته. فسبحان من فاوت بين العباد، وفرق بينهم بعلمه وحكمته. ولهذا قال: * (وكان الله عليما حكيما) * كامل العلم، كامل الحكمة. * (إنآ أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما * يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا * ها أنتم ه ؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا * ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما * ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما * ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا * ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * يخبر تعالى، أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق، أي: محفوظ في إنزاله من الشياطين، أن يتطرق إليه منهم باطل. بل نزل بالحق، ومشتملا أيضا على الحق. فأخباره صدق، وأوامره ونواهيه عدل * (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) *. وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس. وفي الآية الأخرى: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) *. فيحتمل أن هذه الآية، في الحكم بين الناس، في مسائل النزاع والاختلاف. وتلك في تبيين جميع الدين، وأصوله، وفروعه. ويحتمل أن الآيتين كلتيهما، معناهما واحد. فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد، وفي جميع مسائل الأحكام. وقوله: * (بما أراك الله) * أي: لا بهواك، بل بما علمك الله وألهمك. كقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) *. وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم، فيما يبلغ عن الله من جميع الأحكام
(١٩٩)