الذي يحذر من فواته من جبن عن القتال وزهد في الشهادة * (بل) * قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون فهم * (أحياء عند ربهم) * في دار كرامته ولفظ: * (عند ربهم) * يقتضي علو درجتهم وقربهم من ربهم * (يرزقون) * من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من أنعم به عليهم ومع هذا صاروا * (فرحين بما آتاهم الله من فضله) * أي: مغتبطون بذلك وقد قرت به عيونهم وفرحت به نفوسهم وذلك لحسنه وكثرته وعظمته وكمال اللذة في الوصول إليه وعدم المنغص فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور وجعلوا * (يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) * أي: يبشر بعضهم بعضا بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم وأنهم سينالون ما نالوا * (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور * (يستبشرون بنعمة من الله وفضل) * أي: يهنىء بعضهم بعضا بأعظم مهنأ به وهو: نعمة ربهم وفضله وإحسانه * (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) * بل ينميه ويشكره ويزيده من فضله ما لا يصل إليه سعيهم وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم وفيه تلاقي أرواح أهل الخير وزيارة بعضهم بعضا وتبشير بعضهم بعضا (172 - 175) * (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) * لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد إلى المدينة ندب أصحابه إلى الخروج فخرجوا - على ما بهم من الجراح - استجابة لله ولرسوله فوصلوا إلى حمراء الأسد وجاءهم من جاءهم وقال لهم: * (إن الناس قد جمعوا لكم) * وهموا باستئصالكم تخويفا لهم وترهيبا فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه * (وقالوا حسبنا الله) * أي: كافينا كل ما أهمنا * (ونعم الوكيل) * المفوض إليه تدبير عباده والقائم بمصالحهم * (فانقلبوا) * أي: رجعوا * (بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) * وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم وندم من تخلف منهم فألقى الله الرعب في قلوبهم واستمروا راجعين إلى مكة ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل حيث من عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة والاتكال على ربهم ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة فسبب إحسانهم بطاعة ربهم وتقواهم عن معصيته لهم أجر عظيم ثم قال تعالى: * (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) * أي: إن ترهيب من رهب من المشركين وقال إنهم جمعوا لكم داع من دعاة الشيطان يخوف أولياءه الذين عدم إيمانهم أو ضعف * (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) * أي: فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان فإن نواصيهم بيد الله لا يتصرفون إلا بقدره بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين إياه المستجيبين لدعوته وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده وأنه من لوازم الإيمان فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله (176 - 177) * (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم) * كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق مجتهدا في هدايتهم وكان يحزن إذا لم يهتدوا قال الله تعالى: * (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * من شدة رغبتهم فيه وحرصهم عليه * (إنهم لن يضروا الله شيئا) * فالله ناصر دينه ومؤيد رسوله ومنفذ أمره من دونهم فلا تبالهم ولا تحفل بهم إنما يضرون ويسعون في ضرر أنفسهم بفوات الإيمان في الدنيا وحصول العذاب الأليم في الأخرى من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه وإرادته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة ثوابه خذلهم فلم يوفقهم لما وفق إليه
(١٥٧)