تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) * يعني: أنه قدر ذلك الغم والمصيبة عليكم لكي تتوطن نفوسكم وتمرنوا على الصبر على المصيبات ويخف عليكم تحمل المشقات: * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم) * الذي أصابكم * (أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم) * ولا شك أن هذا رحمة بهم وإحسان وتثبيت لقلوبهم وزيادة طمأنينة؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم إلا إقامة دين الله ورضا الله ورسوله ومصلحة إخوانهم المسلمين وأما الطائفة الأخرى الذين * (قد أهمتهم أنفسهم) * فليس لهم هم في غيرها لنفاقهم أو ضعف إيمانهم فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم * (يقولون هل لنا من الأمر شيء) * وهذا استفهام إنكاري أي: ما لنا من الأمر - أي: النصر والظهور - شيء فأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله قال الله في جوابهم: * (قل إن الأمر كله لله) * الأمر يشمل الأمر القدري والأمر الشرعي فجميع الأشياء بقضاء الله وقدره وعاقبتها النصر والظفر لأوليائه وأهل طاعته وإن جرى عليهم ما جرى * (يخفون) * يعني المنافقين * (في أنفسهم ما لا يبدون لك) * ثم بين الأمر الذي يخفونه فقال: * (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء) * أي: لو كان لنا في هذه الواقعة رأي: ومشورة * (ما قتلنا هاهنا) * وهذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله وتسفيه منهم لرأي: رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي: أصحابه وتزكية منهم لأنفسهم فرد الله عليهم بقوله: * (قل لو كنتم في بيوتكم) * التي هي أبعد شيء عن مظان القتل * (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) * فالأسباب - وإن عظمت - إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئا بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة * (وليبتلي الله ما في صدوركم) * أي: يختبر ما فيها من نفاق وإيمان وضعف إيمان * (وليمحص ما في قلوبكم) * من وساوس الشيطان وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة * (والله عليم بذات الصدور) * أي: بما فيها وما أكنته فاقتضى علمه وحكمته أن قدر من الأسباب ما به يظهر مخبات الصدور وسرائر الأمور (155): * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) * يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم أحد وما الذي أوجب لهم الفرار وأنه من تسويل الشيطان وأنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم فهم الذين أدخلوه على أنفسهم ومكنوه بما فعلوا من المعاصي لأنها مركبه ومدخله فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان قال تعالى: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * ثم أخبر أنه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يوجب المؤاخذة وإلا فلو آخذهم لاستأصلهم * (إن الله غفور) * للمذنبين الخطائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار والمصائب المكفرة * (حليم) * لا يعاجل من عصاه بل يستأني به ويدعوه إلى الإنابة إليه والإقبال عليه ثم إن تاب وأناب قبل منه وصيره كأنه لم يجر منه ذنب ولم يصدر عنه عيب فلله الحمد عل إحسانه (156 - 158) * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير * ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون * ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) * ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يتشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم ولا بقضائه وقدره من المنافقين وغيرهم ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء وفي هذا الأمر الخاص وهو أنهم يقولون لإخوانهم في الدين أو في النسب: * (إذا ضربوا في الأرض) * أي: سافروا للتجارة * (أو كانوا غزى) * أي: غزاة ثم جرى عليهم قتل أو موت يعارضون القدر ويقولون: * (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) * وهذا كذب منهم فقد قال تعالى: * (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) * ولكن هذا التكذيب لم يفدهم إلا أن يجعل الله هذا القول وهذه العقيدة حسرة في قلوبهم فتزداد مصيبتهم وأما المؤمنون فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله فيؤمنون ويسلمون
(١٥٣)