تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٥٦
ذلك عقول العالمين (165 - 168) * (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) * هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين حين أصابهم ما أصابهم يوم أحد وقتل منهم نحو سبعين فقال الله: إنكم * (قد أصبتم) * من المشركين * (مثليها) * فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين فليهن الأمر ولتخف المصيبة عليكم مع أنكم لا تستوون أنتم وهم فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار * (قلتم أنى هذا) * أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ * (قل هو من عند أنفسكم) * حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون فعودا على أنفسكم باللوم واحذروا من الأسباب المردية * (إن الله على كل شيء قدير) * فإياكم وسوء الظن بالله فإنه قادر على نصركم ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم * (ذلك ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) * ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين في أحد من القتل والهزيمة أنه بإذنه وقضائه وقدره لا مرد له ولا بد من وقوعه والأمر القدري - إذا نفذ لم يبق إلا التسليم له وأنه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق الذين لما أمروا بالقتال * (وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله) * أي: ذبا عن دين الله وحماية له وطلبا لمرضاة الله * (أو ادفعوا) * عن محارمكم وبلدكم إن لم تكن لكم نية صالحة فأبوا ذلك واعتذروا بأن * (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم) * أي لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم وهم كذبة في هذا قد علموا وتيقنوا وعلم كل أحد أن هؤلاء المشركين قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم وأنهم قد بذلوا أموالهم وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم متحرقين على قتالهم فمن كانت هذه حالهم كيف يتصور أنه لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم هذا من المستحيل ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر يروج على المؤمنين قال تعالى: * (هم للكفر يومئذ) * أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين * (أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) * وهذه خاصة المنافقين يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم ومنه قولهم: * (لو نعلم قتالا لاتبعناكم) * فإنهم علموا وقوع القتال ويستدل بهذه الآية على قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما وفعل أدنى المصلحتين للعجز عن أعلاهما؛ [لأن المنافقين أمروا أن يقاتلوا للدين فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان] * (والله أعلم بما يكتمون) * فيبديه لعباده المؤمنين ويعاقبهم عليه ثم قال تعالى: * (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) * أي: جمعوا بين التخلف عن الجهاد وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره قال الله ردا عليهم: * (قل فادرأوا) * أي: ادفعوا * (عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) * إنهم لو أطاعوكم ما قتلوا لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعونه وفي هذه الآيات دليل على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة إيمان وقد يكون إحداهما أقرب من الأخرى (169 - 171) * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) * هذه الآيات الكريمات فيها فضل الشهداء وكرامتهم وما من الله عليهم به من فضله وإحسانه وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة فقال: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) * أي: في جهاد أعداء الدين قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله * (أمواتا) * أي: لا يخطر ببالك وحسبانك أنهم ماتوا وفقدوا وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»