الشاكرين) * والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى على كل حال وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه فقد رئيس ولو عظم وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه إذا فقد أحدهم قام به غيره وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله والجهاد عنه بحسب الإمكان لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم وتستقيم أمورهم وفي هذه الآية أيضا أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها معلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه فمن حتم عليه بالقدر أن يموت مات ولو بغير سبب ومن أراد بقاءه فلو وقع من الأسباب كل سبب لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى: * (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم فقال: * (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها) * قال الله تعالى: * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفصيلا) * () * (وسنجزي الشاكرين) * ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنا (146 - 148) * (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) * هذا تسلية للمؤمنين وحث على الاقتداء بهم والفعل كفعلهم وأن هذا أمر قد كان متقدما لم تزل سنة الله جارية بذلك فقال: * (وكأين من نبي) * أي: وكم من نبي * (قاتل معه ربيون كثير) * أي: جماعات كثيرون من أتباعهم الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك * (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) * أي: ما ضعفت قلوبهم ولا وهنت أبدانهم ولا استكانوا أي: ذلوا لعدوهم بل صبروا وثبتوا وشجعوا أنفسهم ولهذا قال: * (والله يحب الصابرين) * ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم فقال: * (وما كان قولهم) * أي: في تلك المواطن الصعبة * (إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) * والإسراف هو مجاوزة الحد إلى ما حرم علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان وأن التخلي منها من أسباب النصر فسألوا ربهم مغفرتها ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر بل اعتمدوا على الله وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين وأن ينصرهم عليهم فجمعوا بين الصبر وترك ضده والتوبة والاستغفار والاستنصار بربهم لا جرم أن الله نصرهم وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ولهذا قال: * (فآتاهم الله ثواب الدنيا) * من النصر والظفر والغنيمة * (وحسن ثواب الآخرة) * وهو الفوز برضا ربهم والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات وما ذاك إلا أنهم أحسنوا له الأعمال فجازاهم بأحسن الجزاء فلهذا قال: * (والله يحب المحسنين) * في عبادة الخالق ومعاملة الخلق ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد الأعداء كفعل هؤلاء المؤمنين: * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين * سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ثم قال يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا إلى وبئس مثوى الظالمين) * وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين فإنهم إذا أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر وهم [قصدهم] ردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم ففيه إخبار لهم بذلك وبشارة بأنه يتولى أمورهم بلطفه ويعصمهم من أنواع الشرور وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم وقد فعل تعالى وذلك أن المشركين - بعدما انصرفوا من وقعة أحد - تشاوروا فيما بينهم وقالوا: كيف ننصرف بعد أن قتلنا من قتلنا وهزمناهم ولما نستأصلهم؟ فهموا بذلك فألقى الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا خائبين ولا شك أن هذا من أعظم النصر لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يقطع
(١٥١)