الخالق] فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وأما الإحسان إلى المخلوق فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم والنصيحة لعامتهم وخاصتهم والسعي في جمع كلمتهم وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات فمن قام بهذه الأمور فقد قام بحق الله وحق عبيده ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم فقال: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) * أي: صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة أو ما دون ذلك بادروا إلى التوبة والاستغفار وذكروا ربهم وما توعد به العاصين ووعد به المتقين فسألوه المغفرة لذنوبهم والستر لعيوبهم مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها فلهذا قال: * (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * * (أولئك) * الموصوفون بتلك الصفات * (جزاؤهم مغفرة من ربهم) * تزيل عنهم كل محذور * (وجنات تجري من تحتها الأنهار) * فيها من النعيم المقيم والبهجة والحبور والبهاء والخير والسرور والقصور والمنازل الأنيقة العاليات والأشجار المثمرة البهية والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات * (خالدين فيها) * لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا ولا يغير ما هم فيه من النعيم * (ونعم أجر العاملين) * عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا فعند الصباح يحمد القوم السري وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة على أن الأعمال تدخل في الإيمان خلافا للمرجئة وجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية التي في سورة الحديد نظير هذه الآيات وهي قوله تعالى: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) * فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله وهنا قال: * (أعدت للمتقين) * ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون (137 - 138): * (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ثم قال تعالى قد خلت من قبلكم سنن الآيات) * وهذه الآيات الكريمات وما بعدها في قصة أحد يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم امتحنوا وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فلم يزالوا في مداولة ومجاولة حتى جعل الله العاقبة للمتقين والنصر لعباده المؤمنين وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم * (فسيروا في الأرض) * بأبدانكم وقلوبكم * (فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية قد خوت ديارهم وتبين لكل أحد خسارهم وذهب عزهم وملكهم وزال بذخهم وفخرهم أفليس في هذا أعظم دليل وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟!! وحكمة الله التي يمتحن بها عباده ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم ولهذا قال تعالى: * (هذا بيان للناس) * أي: دلالة ظاهرة تبين للناس الحق من الباطل وأهل السعادة من أهل الشقاوة وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين * (وهدى وموعظة للمتقين) * لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي وأما باقي الناس فهي بيان لهم تقوم [به] عليهم الحجة من الله ليهلك من هلك عن بينة ويحتمل أن الإشارة في قوله: * (هذا بيان للناس) * للقرآن العظيم والذكر الحكيم وأنه بيان للناس عموما وهدى وموعظة للمتقين خصوصا وكلا المعنيين حق (139 - 143) * (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * يقول تعالى مشجعا
(١٤٩)