تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٥٢
طرفا ممن كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين وهذا من الثاني ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين فقال: * (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * أي: ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة من غير حجة ولا برهان وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين لا يعتمد على ركن وثيق وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق هذا حاله في الدنيا وأما في الآخرة فأشد وأعظم ولهذا قال: * (ومأواهم النار) * أي: مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج * (وبئس مثوى الظالمين) * بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم (152) * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) * أي: * (ولقد صدقكم الله وعده) * بالنصر فنصركم عليهم حتى ولوكم أكتافهم وطفقتم فيهم قتلا حتى صرتم سببا لأنفسكم وعونا لأعدائكم عليكم فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور * (وتنازعتم في الأمر) * الذي فيه ترك أمر الله بالائتلاف وعدم الاختلاف فاختلفتم فمن قائل نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن قائل: ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو ولم يبق محذور فعصيتم الرسول وتركتم أمره من بعد ما أراكم الله ما تحبون وهو انخذال أعدائكم؛ لأن الواجب على من أنعم الله عليه بما أحب أعظم من غيره فالواجب في هذه الحال خصوصا وفي غيرها عموما امتثال أمر الله ورسوله * (منكم من يريد الدنيا) * وهم الذين أوجب لهم ذلك ما أوجب * (ومنكم من يريد الآخرة) * وهم الذين لزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا حيث أمروا * (ثم صرفكم عنهم) * أي: بعدما وجدت هذه الأمور منكم صرف الله وجوهكم عنهم فصار الوجه لعدوكم ابتلاء من الله لكم وامتحانا ليتبين المؤمن من الكافر والطائع من العاصي وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم فلهذا قال: * (ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) * أي: ذو فضل عظيم عليهم حيث من عليهم بالإسلام وهداهم لشرائعه وعفا عنهم سيئاتهم وأثابهم على مصيباتهم ومن فضله على المؤمنين أن لا يقدر عليهم خيرا ولا مصيبة إلا كان خيرا لهم إن أصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين وإن أصابتهم ضراء فصبروا جازاهم جزاء الصابرين (153 - 154) * (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون * ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) * يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال ويعاتبهم على ذلك فقال: * (إذ تصعدون) * أي: تجدون في الهرب * (ولا تلوون على أحد) * أي: لا يلوي أحد منكم على أحد ولا ينظر إليه بل ليس لكم هم إلا الفرار والنجاء من القتال والحال أنه ليس عليكم خطر كبير إذ لستم آخر الناس مما يلي الأعداء ويباشر الهيجاء بل * (الرسول يدعوكم في أخراكم) * أي: مما يلي القوم يقول: إلي عباد الله فلم تلتفتوا إليه ولا عرجتم عليه فالفرار نفسه موجب للوم ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس أعظم لوما بتخلفكم عنها * (فأثابكم) * أي: جازاكم على فعلكم * (غما بغم) * أي: غما يتبعه غم غم بفوات النصر وفوات الغنيمة وغم بانهزامكم وغم أنساكم كل غم وهو سماعكم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل ولكن الله - بلطفه وحسن نظره لعباده - جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرا لهم فقال: * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) * من النصر والظفر * (ولا ما أصابكم) * من الهزيمة والقتل والجراح إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم وظواهركم وبواطنكم ولهذا قال: * (والله خبير بما تعملون) * ويحتمل أن معنى قوله: * (لكيلا
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»