(92) * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) * يعني لنا تنالوا وتدركوا البر الذي هو اسم جامع للخيرات وهو الطريق الموصل إلى الجنة * (حتى تنفقوا مما تحبون) *: من أطيب أموالكم وأزكاها فإن النفقة من الطيب المحبوب للنفوس من أكبر الأدلة على سماحة النفس واتصافها بمكارم الأخلاق ورحمتها ورقتها ومن أول الدلائل على محبة الله وتقديم محبته على محبة الأموال التي جبلت النفوس على قوة التعلق بها فمن آثر محبة الله على محبة نفسه فقد بلغ الذروة العليا من الكمال وكذلك من أنفق الطيبات وأحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه ووفقه أعمالا وأخلاقا لا تحصل بدون هذه الحالة وأيضا فمن قام بهذه النفقة على هذا الوجه كان قيامه ببقية الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة من طريق الأولى والأحرى ومع أن النفقة من الطيبات هي أكمل الحالات فمهما أنفق العبد من نفقة قليلة أو كثيرة من طيب أو غيره فإن الله به عليم) * وسيجزي كل منفق بحسب عمله سيجزيه في الدنيا بالخلف العاجل وفي الآخرة بالنعيم الآجل (93 - 95) * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون * من جملة الأمور التي قدح فيها اليهود بنبوة عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم أنهم زعموا أن النسخ باطل وأنه لا يمكن أن يأتي نبي يخالف النبي الذي قبله فكذبهم الله بأمر يعرفونه فإنهم يعترفون بأن جميع الطعام قبل نزول التوراة كان حلالا لبني إسرائيل * (إلا أشياء يسيرة حرمها إسرائيل) * وهو يعقوب عليه السلام * (على نفسه) * ومنعها إياه لمرض أصابه ثم إن التوراة فيها: من التحريمات التي نسخت ما كان حلالا قبل ذلك شيء كثير قل لهم إن أنكروا ذلك فأتوا بالتوراة فاتلوها أن كنتم صادقين بزعمكم أنه لا نسخ ولا تحليل ولا تحريم وهذا من أبلغ الحجج أن يحتج على الإنسان بأمر يقوله ويعترف به ولا ينكره فإن انقاد للحق فهو الواجب وإن أبى ولم ينقد بعد هذا البيان تبين كذبه وافتراؤه وظلمه وبطلان ما هو عليه وهو الواقع من اليهود * (قل صدق الله) * فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين أي قل صدق الله في كل ما قاله ومن أصدق من الله قيلا وحديثا وقد بين في هذه الآيات من الأدلة على صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبراهين دعوته وبطلان ما عليه المنحرفون من أهل الكتاب الذين كذبوا رسوله وردوا دعوته فقد صدق الله في ذلك وأقنع عباده على ذلك ببراهين وحجج تتصدع لها الجبال وتخضع لها الرجال فتعين عند ذلك على الناس كلهم اتباع ملة إبراهيم من توحيد الله وحده لا شريك له وتصديق كل رسول أرسله الله وكل كتاب أنزله والإعراض عن الأديان الباطلة المنحرفة فإن إبراهيم كان معرضا عن كل ما يخالف التوحيد متبرئا من الشرك وأهله: (96 - 97) * (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * يخبر تعالى بعظمة بيته الحرام وأنه أول البيوت التي وضعها الله
(١٣٨)