الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) * يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم * (أصلا وغيره تبعا أن يقول عن ربه معلنا بتفرده بتصريف الأمور وتدبير العالم العلوي والسفلي واستحقاقه باختصاصه بالملك المطلق والتصريف المحكم وأنه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء فليس الأمر بأماني أهل الكتاب ولا غيرهم بل الأمر أمر الله والتدبير له فليس له معارض في تدبيره ولا معاون في تقديره وأنه كما أنه المتصرف بمداولة الأيام بين الناس فهو المتصرف بنفس الزمان وقوله بيدك الخير أي الخير كله منك ولا يأتي بالحسنات والخيرات إلا الله وأما الشر فإنه لا يضاف إلى الله تعالى لا وصفا ولا اسما ولا فعلا ولكنه يدخل في مفعولاته ويندرج في قضائه وقدره فالخير والشر كله داخل في القضاء والقدر فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه ولكن الشر لا يضاف إلى الله فلا يقال بيدك الخير والشر بل يقال بيدك الخير كما قاله الله وقاله رسوله أما استدراك بعض المفسرين حيث قال وكذلك الشر بيد الله فإنه وهم محض ملحظهم حيث ظنوا أن تخصيص الخير بالذكر ينافي قضاءه وقدره العام وجوابه ما فصلنا يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار) * أي: يدخل هذا على هذا ويحل هذا محل هذا ويزيد في هذا ما ينقص من هذا ليقيم بذلك مصالح خلقه ويخرج الحي من الميت) * كما يخرج الزروع والأشجار المتنوعة من بذورها والمؤمن من الكافر * (والميت من الحي) * كما يخرج الحبوب والنوى والزروع من الأشجار والبيضة من الطائر فهو الذي يخرج المتضادات بعضها من بعض وقد انقادت له جميع العناصر وقوله * (وترزق من تشاء بغير حساب) * قد ذكر الله في غير هذه الآية الأسباب التي ينال بها رزقه كقوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه فعلى العباد أن لا يطلبوا الرزق إلا من الله ويسعوا فيه بالأسباب التي يسرها الله وأباحها: (28 - 30) * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير هذا نهي من الله وتحذير للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين فإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض والله وليهم ومن يفعل ذلك التولي فليس من الله في شيء أي فهو بريء من الله والله بريء منه كقوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقوله إلا أن تتقوا منهم تقاة أي إلا أن تخافوا على أنفسكم في إبداء العداوة للكافرين فلكم في هذه الحال الرخصة في المسالمة والمهادنة لا في التولي الذي هو محبة القلب الذي تتبعه النصرة ويحذركم الله نفسه أي فخافوه واخشوه وقدموا خشيته على خشية الناس فإنه هو الذي يتولى شؤون العباد وقد أخذ بنواصيهم وإليه يرجعون وسيصيرون إليه فيجازي من قدم حقوقه ورجاءه على غيره بالثواب الجزيل ويعاقب الكافرين ومن تولاهم بالعذاب الوبيل * قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير * يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) * يخبر تعالى بإحاطة علمه بما في الصدور سواء أخفاه العباد أو أبدوه كما أن علمه محيط بكل شيء في السماء والأرض فلا تخفى عليه خافية ومع إحاطة علمه فهو العظيم القدير على كل شيء الذي لا يمتنع عن إرادته موجود ولما ذكر لهم من عظمته وسعة أوصافه ما يوجب للعباد أن يراقبوه في كل أحوالهم ذكر لهم أيضا داعيا آخر إلى مراقبته وتقواه وهو أنهم كلهم صائرون إليه وأعمالهم حينئذ من خير وشر محضرة فحينئذ يغتبط أهل الخير بما قدموا لأنفسهم ويتحسر أهل الشر إذا وجدوا ما عملوه محضرا ويودون أن بينهم وبينه أمدا بعيدا فإذا عرف العبد أنه ساع إلى ربه وكادح في هذه الحياة
(١٢٧)