تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٩٥
بعدهم معلما مزكيا وما فيه من معنى البعد للتعظيم أي ذلك الفضل العظيم * (فضل الله) * وإحسانه جل شأنه * (يؤتيه من يشاء) * من عباده تفضلا، ولا يشاء سبحانه إيتاءه لا حد بعده صلى الله عليه وسلم.
* (والله ذو الفضل العظيم) * الذي يستحقر دونه نعم الدنيا والآخرة.
* (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بااي‍ات الله والله لا يهدى القوم الظ‍المين) *.
* (مثل الذين حملوا التوراة) * أي علموها وكلفوا العمل بما فيها، والتحميل في هذا شائع يلحق بالحقيقة، والمراد بهم اليهود * (ثم لم يحملوها) * أي لم يعلموا بما في تضاعيفها التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* (كمثل الحمار يحمل أسفارا) * أي كتبا كبارا على ما يشعر به التنكير، وإيثار لفظ السفر وما فيه من معنى الكشف من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها، و * (يحمل) * إما حال من - الحمار - لكونه معرفة لفظا والعامل فيه معنى المثل، أو صفة له لأن تعريفه ذهني فهو معنى نكرة فيوصف بما توصف به على الأصح.
ونسب أبو حيان للمحققين تعين الحالية في مثل ذلك، ووجه ارتباط الآية بما قبلها تضمنها الإشارة إلى أن ذلك الرسول المبعوث قد بعثه الله تعالى بما نعته به في التوراة وعلى ألسنة أنبياء بني إسرائيل كأنه قيل: هو الذي بعث المبشر به في التوراة المنعوت فيها بالنبي الأمي المبعوث إلى أمة أميين؛ مثل من جاءه نعته فيها وعلمه ثم لم يؤمن به مثل الحمار، وفي الآية دليل على سوء حال العالم الذي لا يعمل بعلمه، وتخصيص الحمار بالتشبيه به لأنه كالعلم في الجهل، ومن ذلك قول الشاعر: ذوامل للأسفار لا علم عندهم * بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا * بأوساقه أوراح ما في الغرائر بناءا على نقل عن ابن خالويه أن البعير اسم من أسماء الحمار كالجمل البازل، وقرأ يحيى بن يعمر. وزيد بن علي * (حملوا) * مبنيا للفاعل، وقرأ عبد الله - حمار - بالتنكير، وقرىء * (يحمل) * بشد الميم مبنيا للمفعول.
* (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) * أي بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا فحذف المضاف وهو المخصوص بالذم وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز أن يكون * (الذين) * صفة القوم، والمخصوص محذوف أي بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله هو، والضمير راجع إلى * (مثل الذين حملوا التوراة) *، وظاهر كلام الكشاف أن المخصوص هو * (مثل) * المذكور، والفاعل مستتر يفسره تمييز محذوف، والتقدير بئس مثلا مثل القوم الخ، وتعقب بأن سيبويه نص على أن التمييز الذي يفسر الضمير المستتر في باب نعم لا يجوز حذفه ولو سلم جوازه فهو قليل، وأجيب بأن ذاك تقرير لحاصل المعنى وهو أقرب لاعتبار الوجه الأول، وكان قول ابن عطية التقدير بئس المثل مثل القوم من ذلك الباب، وإلا ففيه حذف الفاعل، وقد قالوا بعدم جوازه إلا في مواضع ليس هذا منها * (والله لا يهدي القوم الظ‍المين) * أي الواضعين للتكذيب في موضع التصديق، أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بسبب التكذيب.
* (قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أوليآء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (قل يا أيها الذين هادوا) * أي تهودوا أي صاروا يهودا * (إن زعمتم أنكم أولياء لله) * أي أحباء له سبحانه ولم يضف أولياء إليه تعالى كما في قوله سبحانه: * (ألا إن أولياء الله) * قال الطيبي: ليؤذن بالفرق بين مدعي الولاية ومن يخصه عز وجل بها * (من دون الناس) * حال من الضمير الراع إلى اسم * (إن) * أي
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»