على الجار والمجرور محذوفا أي بكم وبما تعبدون، وحذف اكتفاءا بدلالة السياق فليس بشيء.
* (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا) * أي هذا دأبنا معكم لا نتركه * (حتى تؤمنوا بالله وحده) * وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة ولاية والبغضاء محبة، وفسر الفيروزأبادي * (البغضاء) * بشدة البغض ضد الحب، وأفاد أن العداوة ضد الصداقة، وفسر الصداقة بالمحبة، فالعداوة والبغضاء على هذا متقاربان، وأفاد الراغب أن العداوة منافاة الالتئام قلبا، وقال: البغض نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه وهو ضد الحب، ثم قال: يقال: بغض الشيء بغضا وبعضة وبغضاء، وهو نحو كلام الفيروزأبادي، والذي يفهم من كلام غير واحد أنه كثيرا ما يعتبر في العداوة التخاذل دون البغضاء فليراجع هذا المطلب.
* (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) * استثناء من قوله تعالى: * (أسوة حسنة) * كما قاله قتادة. وجماعة وهو على تقدير التجريد أو تفسيرا - لأسوة - بالاقتداء منقطع بلا ريب، وأما على تقدير أن يراد بها ما يؤتسى به فقيل: هو متصل؛ وقيل: منقطع، وإليه ذهب الأكثر، وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار المحكى عنه عليه السلام بقوله تعالى: * (واغفر لأبي) * الآية مع أنه المراد قيل: لأنها كانت هي الحاملة له عليه السلام عليه، ويعلم من ذلك استثناء نفس الاستغفار بطريق الأولى، وجعلها بعضهم كناية عن الاستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليه السلام لا سيما إذا أكدت بالقسم يلازمها الانجاز وليس بلازم كما لا يخفى، وكأن هذه العدة غير العدة السابقة في سورة مريم في قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام: * (سأستغفر لك ربي) * الآية ولعلها وقعت منه عليه السلام بعد تلك تأكيدا لها وحكيت ههنا على سبيل الاستثناء.
وفي " الإرشاد " تخصيصها بالذكر دون ما وقع في سورة " مريم " لورودها على طريق التوكيد القسمي، واستثناء ذلك من الأسوة الحسنة قيل: لأن استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر بمعنى أن يوفقه الله تعالى للتوبة ويهديه سبحانه للإيمان وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم وأنه يموت عل الكفر كما دل عليه ما في سورة التوبة لكنه ليس مما ينبغي أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الاعراض عنه بقوله تعالى بعد: * (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) * (الحديد: 24) فاستثناؤه عما سبق إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الايمان والمغفرة للكافر المرجو إيمانه، وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل، وأما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا، وزعم الإمام على ما نقل عنه دلالة الآية على ذلك، ولا يلزم أن يكون الاستغفار منه عليه السلام معصية لأن كثيرا من خواص الأنبياء عليهم السلام لا يجوز التأسي به لأنه أبيح لهم خاصة وهو كما ترى إذ هو ظاهر في أن ذلك الاستغفار الذي وقع منه عليه السلام لو فرض واقعا من غيره لكان معصية وليس كذلك بل هو مباح ممن وقع.
وعن الطيبي ما حاصله: إن إبراهيم عليه السلام لما أجاب قول أبيه: * (لأرجمنك واهجرني مليا) * (مريم: 46) بقوله: * (سأستغفر لك ربي) * (مريم: 47) رحمة ورأفة به، ولم يكن عارفا بإصراره على الكفر وفى بوعده، وقال: * (واغفر لأبي) * فلما تبين إصراره ترك الدعاء وتبرأ منه، فظهر أن استغفاره لم يكن منكرا، وهو في حياته بخلاف ما نحن فيه فإنه فصل عداوتهم وحرصهم على قطع أرحامهم بقوله تعالى: * (لن تنفعكم) * الخ وسلاحهم عن القطيعة بقصة إبراهيم عليه السلام ثم استثنى منها ما ذكر كأنه قيل: لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة كما فعل إبراهيم لأنه لم يتبين