تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٧٣
من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إلى الله تعالى، فالكلام من قبيل ما رجع فيه النفي للمقيد دون القيد.
وفي " الكشف " أنه وإن كان في نفسه كلاما مطابقا للواقع حسنا أن يجعل أسوة إلا أنه شفع بقوله: * (لأستغفرن لك) * تحقيقا للوعد كأنه قيل: لأستغفرن لك وما في طاقتي إلا هذا فهو مبذول لا محالة، وفيه أنه لو ملك أكثر من ذلك لفعل، وعلى هذا فهو حقيق بالاستثناء، وقوله عز وجل:
* (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) * إلى آخره جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب متصلة معنى بقصة إبراهيم عليه السلام ومن معه على أنها بيان لحالهم في المجاهدة لأعداء الله عز وجل وقشر العصا، ثم اللجأ إلى الله تعالى في كفاية شرهم وأن تلك منهم له عز وجل لا لحظ نفسي، وقيل: اتصالها بما تقدم لفظي على أنها بتقدير قول معطوف على * (قالوا إنا برآء) * أي وقالوا: ربنا الخ، وجوز أن يكون المعنى قولوا ربنا أمرا منه تعالى للمؤمنين بأن يقولوه، وتعليما منه عز وجل لهم وتتميما لما وصاهم سبحانه به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار والائتساء بإبراهيم عليه السلام وقومه في البراءة منهم وتنبيها على الإنابة إلى الله تعالى والاستعاذة به من فتنة أهل الكفر والاستغفار مما فرط منهم وهو كما قيل: وجه حسن لا يأباه النظم الكريم، وفيه شمة من أسلوب * (انتهوا خيرا لكم) * لأنه سبحانه لما حثهم على الائتساء بمن سمعت في الانتهاء عن الكفر وموالاة أهله، ثم قال سبحانه ما يدل على اللجأ إليه تعالى يكون في المعنى نهيا عن الأول وأمرا بالثاني.
وجعل بعضهم القول على هذا الوجه معطوفا على * (لا تتخذوا) * أي وقولوا ربنا الخ، وأيا ما كان فتقديم الجار والمجرور في المواضع الثلاثة للقصر كأنه قيل: ربنا عليك توكلنا لا على غيرك وإليك أنبنا لا إلى غيرك وإليك المصير لا إلى غيرك.
* (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنآ إنك أنت العزيز الحكيم) *.
* (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) * أي لا تسلطهم علينا فيسبوننا ويعذبوننا - قاله ابن عباس - فالفتنة مصدر بمعنى المفتون أي المعذب من فتن الفضة إذا أذابها فكأنه قيل: ربنا لا تجعلنا معذبين للذين كفروا، وقال مجاهد: أي لا تعذبنا بأيديهم، أو بعذاب من عندك فيظنوا أنهم محقون وأنا مبطلون فيفتنوا لذلك.
وقال قريبا منه قتادة. وأبو مجلز، والأول أرجح، ولم تعطف هذه الجملة الدعائية على التي قبلها سلوكا بهما مسلك الجمل المعدودة، وكذا الجملة الآتية، وقيل: إن هذه الجملة بدل مما قبلها، ورد بعدم اتحاد المعنيين كلا وجزءا ولا مناسبة بينهما سوى الدعاء * (واغفر لنا) * ما فرط منا * (ربنا إنك أنت العزيز) * الغالب الذي لا يذل من التجأ إليه؛ ولا يخيب رجاء من توكل عليه * (الحكيم) * الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة.
* (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد) *.
* (لقد كان لكم فيهم) * أي في إبراهيم عليه السلام ومن معه * (أسوة حسنة) * الكلام فيه نحو ما تقدم، وقوله تعالى:
* (لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) * أي ثوابه تعالى أو لقاءه سبحانه ونعيم الآخرة أو أيام الله تعالى واليوم الآخر خصوصا، والرجاء يحتمل الأمل والخوف صلة - لحسنة - أو صفة، وجوز كونه بدلا من * (لكم) * بناءا على ما ذهب إليه الأخفش من جواز أن يبدل الظاهر من ضمير المخاطب - وكذا من ضمير المتكلم - بدل الكل كما يجوز أن يبدل من ضمير الغائب، وأن يبدل من الكل بدل البعض. وبدل الاشتمال. وبدل الغلط.
ونقل جواز ذلك الإبدال عن سيبويه أيضا، والجمهور على منعه وتخصيص الجواز ببدل البعض. والاشتمال. والغليط.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»