تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٦٧
وزعم بعضهم أن الإبراز في الصفات الجارية على غير من هي له إنما يشترط في الاسم دون الفعل كما هنا ومنع ذلك، وتعقب الوجهان بأنهما يوهمان أنه تجوز الموالاة عند عدم الالقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا اعتبار للمفهوم للنهي عن الموالاة مطلقا في غير هذه الآية، أو يقال: إن الحال والصفة لازمة ولذا كانت الجملة مفسرة وقوله تعالى: * (وقد كفروا بما جاءكم من الحق) * حال من فاعل * (لا تتخذوا) * وهي حال مترادفة إن كانت جملة * (تلقون) * حالية أيضا أو من فاعل * (تلقون) * وهي متداخلة على تقدير حالتيها، وجوز كونه حالا من المعفول وكونه مستأنفا.
وقرأ الجحدري. والمعلى عن عاصم - لما - باللام أي لأجل ما جاءكم بمعنى جعل ما هو سبب للايمان سبب الكفر * (يخرجون الرسول وإياكم) * أي من مكة * (أن تؤمنوا بالله ربكم) * أي لايمانكم أو كراهة إيمانكم بالله عز وجل، والجار متعلق - بيخرجون - والجملة قيل: حال من فاعل * (كفروا) * أو استئناف كالتفسير لكفرهم كأنه قيل: كيف كفروا؟ وأجيب بأنهم كفروا أشد الكفر بإخراج الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين لايمانهم خاصة لا لغرض آخر، وهذا أرجح من الوجه الأول لطباقه للمقام وكثرة فوائده، والمضارع لاستحضار الحال الماضية لما فيها من مزيد الشناعة، والاستمرار غير مناسب للمعنى، وفي * (تؤمنوا) * قيل: تغليب للمؤمنين، والالتفات عن ضمير المتكلم بأن يقال: بي إلى ما في النظم الجليل للإشعار بما يوجب الايمان من الألوهية والربوبية * (إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) * متعلق بقوله تعالى: * (لا تتخذوا) * الخ كأنه قيل: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي فجواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدم، وجعله الزمخشري حالا من فاعل * (لا تتخذوا) * ولم يقدر له جوابا أي لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والحال أنكم خرجتم لأجل الجهاد وطلب مرضاتي، واعترض بأن الشرط لا يقع حالا بدون جواب في غير إن الوصلية، ولا بد فيها من الواو وأن ترد حيث يكون ضد المذكور أولى - كأحسن إلى زيد وإن أساء إليك - وما هنا ليس كذلك.
وأجيب بأن ابن جني جوزه، وارتضاه جار الله هنا لأن البلاغة وسوق الكلام يقتضيانه فيقال لمن تحققت صداقته من غير قصد للتعليق والشك: لا تخذلني إن كنت صديقي تهييجا للحمية، وفيه من الحسن ما فيه فلا يضر إذا خالف المشهور، ونصب المصدرين على ما أشرنا إليه على التعليل، وجوز كونهما حالين أي مجاهدين ومبتغين، والمراد بالخروج إما الخروج للغزو. وإما الهجرة، فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم كما سمعت في سبب النزول، وقوله تعالى: * (تسرون إليهم بالمودة) * استئناف بياني كأنهم لما استشعروا العتاب مما تقدم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا؟ فقيل: * (تسرون) * الخ، وجوز أن يكون بدلا من * (تلقون) * بدل كل من كل إن أريد بالإلقاء خفية، أو بدل بعض إن أريد الأعم لأن منه السر والجهر.
وقال أبو حيان: هو شبيه ببدل الاشتمال، وجوز ابن عطية كونه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم * (تسرون) * والكلام استئناف للإنكار عليهم، وأنت تعلم أن الاستئناف لذلك حسن لكنه لا يحتاج إلى حذف، والكلام في الباء هنا على ما يقتضيه ظاهر كلامهم كالباء فيما تقدم، وقوله تعالى: * (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) *
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»