تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٧٧
مسافر المخزومي وأنه أعطى ما أنفق، وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه، وفي رواية أنها نزلت في أميمة بنت بشر امرأة من بني عمرو بن عون كانت تحت أبي حسان بن الدحداحة هاجرت مؤمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا ردها فنزلت الآية فلم يردها عليه الصلاة والسلام، وتزوجها سهيل بن صيف فولدت له عبد الله بن سهيل، ولعل سبب النزول متعدد وأيا ما كان فالآية على ما قيل: نزلت بيانا لأن الشرط في كتاب المصالحة إنما كان في الرجال دون النساء، وتراخي المخصص عن العام جائز عند الجبائي ومن وافقه، ونسب للزمخشري أن ذلك من تأخير بيان المجمل لأنه لا يقول بعموم تلك الألفاظ بل يجعلها مطلقات، والحمل على العموم والخصوص بحسب المقام، والحنفية يجوزونه لا يقال: إنه شبه التأخير عن وقت الحاجة وهو غير جائز عند الجميع لأن وقت الحاجة أي العمل بالخطاب كان بعد مجىء المهاجرات وطلب ردهن لا حين جرت المهادنة مع قريش، وهذا ما ذهب إليه بعض الشافعية أيضا، ومنهم من زعم أن التعميم كان منه صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد أثيب عليه بأجر واحد ولم يقر عليه، ومنهم من وافق جمهور الحنفية على النسخ لا التخصيص، فمن جوز منهم نسخ السنة بالكتاب قال: نسخ بالآية، ومن لم يجوز قال: بالسنة أي امتناعه صلى الله عليه وسلم من الرد ووردت الآية مقررة لفعله عليه الصلاة والسلام.
وعن الضحاك كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد أن لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا فإن دخلت في دينك ولها زوج أن ترد على زوجها الذي أنفق عليها، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك، وعليه فالآية موافقة لما وقع عليه العهد لكن أخرج أبو داود في ناسخه. وابن جرير. وغيرهما عن قتادة أنه نسخ هذا العهد وهذا الحكم يعني إيتاء الأزواج ما أنفقوا براءة، أما نسخ العهد فلما أمر فيها من النبذ، وأما نسخ الحكم فلأن الحكم فرع العهد فإذا نسخ نسخ، والذي عليه معظم الشافعية أن الغرامة لأزواجهن غير ثابتة، وبين ذلك في " الكشف " على القول بنسخ رد المرأة، والقول بالتخصيص، والقول: بأن التعميم كان عن اجتهاد لم يقر عليه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وأما على قول الضحاك - أي السابق - فهو مشكل، ووجهه أنه حكم في مخصوصين فلا يعم غير تلك الوقعة على أنه عز وجل خص الحكم بالمهاجرين ولم يبق بعد الفتح هجرة كما ثبت في الصحيح فلا يبقى الحكم * (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن) * أي في نكاحهن حيث حال إسلامهن بينهن وبين أزواجهن الكفار * (إذا ءاتيتموهن أجورهن) * أي وقت إيتائكم إياهن مهورهن - فإذا - لمجرد الظرفية، ويجوز كونها شرطية وجوابها مقدر بدليل ما قبل، وعلى التقديرين يفهم اشتراط إيتاء المهور في نفي الجناح في نكاحهن، وليس المراد بإيتاء الأجور إعطاءها بالفعل بل التزامها والتعهد بها، وظاهر هذا مع ما تقدم من قوله تعالى: * (وآتوهم ما أنفقوا) * أن هناك إيتاء إلى الأزواج وإيتاء إليهن فلا يقوم ما أوتي إلى الأزواج مقام مهورهن بل لا بد مع ذلك من إصداقهن، وقيل: لا يخلو إما أن يراد بالأجور ما كان يدفع إليهن ليدفعنه إلى أزواجهن فيشترط في إباحة تزويجهن تقديم أدائه، وإما أن يراد أن ذلك إذا دفع إليهن على سبيل القرض ثم تزوجن على ذلك لم يكن به بأس، وإما أن يبين إليهم أن ما أعطي لأزواجهن لا يقوم مقام المهر، وهذا ما ذكرناه أولا من الظاهر وهو الأصح في الحكم، والوجهان الآخران ضعيفان فقها ولفظا.
واحتج أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بالآية على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»