تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٥٨
الجد والعزيمة في العمل بمقتضياتها، وفي المراد بها أقوال كثيرة أوصلها بعضهم إلى نيف وعشرين قولا: منها ما سمعت.
وقرأ زيد بن علي - توبا - بغير تاء، وقرأ الحسن. والأعرج. وعيسى. وأبو بكر عن عاصم. وخارجة عن نافع * (نصوحا) * بضم النون وهو مصدر نصح فإن النصح والنصوح كالشر والشكور والكفر والكفور أي ذات نصح أو تنصح نصوحا أو توبوا لنصح أنفسكم على أنه مفعول له.
هذا والكلام في التوبة كثير وحيث كانت أهم الأوامر الإسلامية وأول المقامات الإيمانية ومبدأ طريق السالكين ومفتاح باب الواصلين لا بأس في ذكر شيء مما يتعلق بها فنقول: هي لغة الرجوع، وشرعا وصفا لنا على ما قال السعد: الندم على المعصية لكونها معصية لأن الندم عليها بإضرارها بالبدن أو إخلالها بالعرض أو المال مثلا لا يكون توبة، وأما الندم لخوف النار أو للطمع في الجنة ففي كونه توبة تردد، ومبناه على أن ذلك هل يكون ندما عليها لقبحها ولكونها معصية أم لا؟ وكذا الندم عليها لقبحها مع غرض آخر، والحق أن جهة القبح إن كانت بحيث لو انفردت لتحقق الندم فتوبة وإلا فلا كما إذا كان الغرض مجموع الأمرين لا كل واحد منهما، وكذا في التوبة عند مرض مخوف بناءا على أن ذلك الندم هل يكون لقبح المعصية بل للخوف، وظاهر الاخبار قبول التوبة ما لم تظهر علامات الموت ويتحقق أمره عادة، ومعنى الندم تحزن وتوجع على أن فعل وتمني كونه لم يفعل ولا بد من هذا للقطع بأن مجرد الترك كالماجن إذا مل مجون فاستروح إلى بعض المباحات ليس بتوبة، ولقوله عليه الصلاة والسلام: " الندم توبة " وقد يزاد قيد العزم على ترك المعاودة.
واعترض بأن فعل المعصية في المستقبل قد لا يخطر بالبال لذهول أو جنون أو نحوه، وقد لا يقدر عليه لعارض آفة كخرس في القذف مثلا أوجب في الزنا فلا يتصور العزم على الترك لما فيه من الإشعار بالقدرة والاختيار.
وأجيب بأن المراد العزم على الترك على تقدير الخطور والاقتدار حتى لو سلب القدرة لم يشترط العزم على الترك، وبذلك يشعر كلام إمام الحرمين حيث قال: إن العزم على ترك المعاودة إنما يقارن التوبة في بعض الأحوال ولا يطرد في كل حال إذ العزم إنما يصح ممن يتمكن من مخثل ما قدمه، ولا يصح من المجبوب العزم على ترك الزنا. ومن الأخرس العزم على ترك القذف، وقال بعض الأجلة: التحقيق أن ذكر العزم إنما هو للبيان والتقرير لا للتقييد والاحتراز إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخلو عن ذلك العزم البتة على تقدير الخطور والاقتدار، وعلامة الندم طول الحسرة والخوف وانسكاب الدمع، ومن الغريب ما قيل: إن علامة صدق الندم عن ذنب كالزنا أن لا يرى في المنام أنه يفعله اختيارا إذ يشعر ذلك ببقاء حبه وإياه وعدم انقلاع أصوله من قلبه بالكلية وهو ينافي صدق الندم، وقال المعتزلة: يكفي في التوبة أن يعتقد أنه أساء وأنه لو أمكنه رد تلك المعصية لردها ولاحاجة إلى الأسف والحزن لافضائه إلى التكليف بما لا يطاق.
وقال الإمام النووي: التوبة ما استجمعت ثلاثة أمور: أن يقلع عن المعصية. وأن يندم على فعلها وأن يعزم عزما جازما على أن لا يعود إلى مثلها أبدا فإن كانت تتعلق بآدمي لزم رد الظلامة إلى صاحبها أو وارثه أو تحصيل البراءة منه، وركنها الأعظم الندم.
وفي " شرح المقاصد " قالوا: إن كانت المعصية في خالص حق الله تعالى فقد يكفي الندم كما في ارتكاب الفرار من الزحف وترك الأمر بالمعروف، وقد تفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحد في الشرب
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»