تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٦١
قوله تعالى: * (ليجزي الذين أس‍ائوا بما عملوا) * أي خلق ما فيهما ليجزي الضالين بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بيانا لحاله؛ أو بمثل ما عملوا، أو بسبب ما عملوا على أن الباء صلة الجزاء بتقدير مضاف أو للسببية بلا تقدير * (ويجزي الذين أحسنوا) * أي اهتدوا * (بالحسنى) * أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى تكميل لما قبل لأنه سبحانه لما أمره عليه الصلاة والسلام بالإعراض نفي توهم أن ذلك لأنهم يتركون سدى، وفي العدول عن ضمير ربك إلى الاسم الجامع ما ينبىء عن زيادة القدرة وأن الكلام مسوق لوعيد المعرضين وأن تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة فلا بد من ضال ومهتد، ومن أن يلقى كل ما يستحقه، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم يلقى الحسنى جزاءا لتبليغه وهم يلقون السوأى جزاءا لتكذيبهم، وكرر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به والتنبيه على تباين الجزاءين.
وجوز أن يكون معنى * (فأعرض) * الخ لا تقابلهم بصنيعهم وكلهم إلى ربك أنه أعلم بك وبهم فيجزى كلا ما يستحقه، ولا يخفى ما في العدول عن الضميرين في * (بمن ضل) * * (وبمن اهتدى) * وجعل قوله تعالى: * (ليجزى) * على هذا متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى: * (إن ربك هو أعلم) * الخ أي ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم * (ليجزى) * الخ، وقوله سبحانه: * (ولله ملك السموات) * جملة معترضة تؤكد حديث أنهم يجزون البتة ولا يهملون كأنه قيل: هو سبحانه أعلم بهم وهم تحت ملكه وقدرته، وجوز على ذلك المعنى أن يتعلق * (ليجزى) * بقوله تعالى: * (ولله ما في السموات) * كما تقدم على تأكيد أمر الوعيد، أي - هو أعلم بهم - وإنما سوي هذا الملك للجزاء، ورجح بعضهم ذلك المعنى بالوجهين المذكورين على ما مر، وجوز في جملة * (لله ما في السموات) * كونها حالا من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أولا، وفي * (ليجزى) * تعلقه - بضل. واهتدى - على أن اللام للعاقبة أي هو تعالى * (أعلم بمن ضل) * ليؤول أمره إلى أن يجزيه الله تعالى بعمله، و * (بمن اهتدى) * ليؤول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى، ولا يخفى بعده، وأبعد منه بمراحل تعلقه بقوله سبحانه: * (لا تغني شفاعتهم) * كما ذكره مكي، وقرأ زيد بن علي - لنجزى - ونجزى بالنون فيهما * (الذين يجتنبون كب‍ائر الاثم) * بدل من الموصول الثاني وصيغة الاستقبال في صلته للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره. أو بيان. أو نعت. أو منصوب على المدح. أو مرفوع على أنه خبر محذوف؛ و * (الاثم) * الفعل المبطىء عن الثواب وهو الذنب. وكبائره ما يكبر عقابه، وقرأ حمزة. والكسائي. وخلف - كبير الاثم - على إرادة الجنس، أو الشرك * (والفواحش) * ما عظم قبحه من الكبائر فعطفه على ما تقدم من عطف الخاص على العام، وقيل: الفواحش والكبائر مترادفان * (إلا اللمم) * ما صغر من الذنوب وأصله ما قل قدره، ومنه لمة الشعر لأنها دون الوفرة، وفسره أبو سعيد الخدري بالنظرة. والغمزة. والقبلة وهو من باب التمثيل، وقيل: معناه الدنو من الشيء دون ارتكاب له من ألممت بكذا أي نزلت به وقاربته من غير مواقعة - وعليه قول الرماني - هو الهم بالذنب وحديث النفس دون أن يواقع، وقول ابن المسيب: ما خطر على القلب، وعن ابن عباس. وابن زيد هو ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام، والآية نزلت لقول الكفار للمسلمين قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا فهي مثل قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (النساء: 23) على ما في " البحر "، وقيل: هو مطلق الذنب.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»