أو مضارع مريته إذا غلبته في المراء على أنه من باب المغالبة، ويجوز حمل ما في البيت عليه وعدى الفعل بعلى وكان حقه أن يعدي بفي لتضمينه معنى المغالبة فإن المجادل والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم، وقرأ عبد الله فيما حكى ابن خالويه. والشعبي فيما ذكر شعبة * (أفتمرونه) * بضم التاء وسكون الميم مضارع أمريت قال أبو حاتم: وهو غلط، والمراد بما يرى ما رآه من صورة جبريل عليه السلام، وعبر بالمضارع استحضارا للصورة الماضية لما فيها من الغرابة، وفي البحر جيء بصيغة المضارع وإن كانت الرؤية قد مضت إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد، وقيل: المراد * (أفتمارونه على ما يرى) * من الصور التي يظهر بها جبريل عليه السلام بعد ما رآه قبل وحققه بحيث لا يشتبه عليه بأي صورة ظهر فالتعبير بالمضارع على ظاهره.
* (ولقد رءاه نزلة أخرى) *.
* (ولقد رءاه) * أي رأى النبي جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته التي خلقه الله تعالى عليها * (نزلة أخرى) * أي مرة أخرى من النزول وهي فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها على الظرفية لأن أصل المرة مصدر مر يمر ولشدة اتصال الفعل بالزمان يعبر به عنه ولم يقل مرة بدلها ليفيد أن الرؤية في هذه المرة كانت بنزول ودنو كالرؤية في المرة الأولى الدال عليها ما مر. وقال الحوفي. وابن عطية: إن نزلة منصوب على المصدرية للحال المقدرة أي نازلا نزلة، وجوز أبو البقاء كونه منصوبا على المصدرية - لرأي - من معناه أي رؤية أخرى وفيه نطر، والمراد من الجملة القسمية نفي الريبة والشك عن المرة الأخيرة وكانت ليلة الإسراء.
* (عند سدرة المنتهى) *.
* (عند سدرة المنتهى) * هي شجرة نبق عن يمين العرش في السماء السابعة على المشهور، وفي حديث أخرجه أحمد. ومسلم. والترمذي. وغيرهم في السماء السادسة نبقها كقلال هجرو أوراقها مثل آذان الفيلة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا " يسير الراكب في الفنن منها مائة سنة " والأحاديث ظاهرة في أنها شجرة نبق حقيقة.
والنبات في الشاهد يكون ترابيا ومائيا وهوائيا؛ ولا يبعد من الله تعالى أن يخلقه في أي مكان شاء وقد أخبر سبحانه عن شجرة الزقوم أنها تنبت في أصل الجحيم، وقيل: إطلاق السدرة عليها مجاز لأنها تجتمع عندها الملائكة عليهم السلام كما يجتمع الناس في ظل السدرة، و * (المنتهى) * اسم مكان وجوز كونه مصدرا ميميا، وقيل: لها * (سدرة المنتهى) * لأنها كما أخرج عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عن ابن عباس إليها ينتهي علم كل عالم وما وراءها لا يعلمه إلا الله تعالى، أو لأنها ينتهي إليها علم الأنبياء عليهم السلام ويعزب علمهم عما وراءها. أو لأنها تنتهي إليها أعمال الخلائق بأم تعرض الله تعالى عندها؛ أو لأنها ينتهي إليها ما ينزل من فوقها وما يصعد من تحتها. أو لأنها تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين مطلقا. أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة. وفي الكشاف كأنها منتهى الجنة وآخرها، وإضافة * (سدرة) * إلى المنتهى) * من إضافة الشيء لمحله كما في أشجار البستان، وجوز أن تكون من إضافة المحل إلى الحال كما في قولك " كتاب الفقه "، وقيل: يجوز أن يكون المراد بالمنتهى الله عز وجل فالإضافة من إضافة الملك إلى المالك أي * (سدرة) * الله الذي إليه * (المنتهى) * كما قال سبحانه: * (وأن إلى ربك المنتهى) * (النجم: 42) وعد ذلك من باب الحذف والإيصال ولا يخفى أن هذا القول يكاد يكون المنتهى في البعد.
* (عندها جنة المأوى) *.
* (عندها) * أي عند السدرة، وجوز أن يكون الضمير للنزلة وهو نازل عن رتبة القبول * (جنة المأوى) * التي يأوي إليها المتقون يوم القيامة كما روي عن الحسن، واستدل به على أن الجنة في السماء، وقال ابن عباس بخلاف عنه. وقتادة: