تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٦٠
التقليد في الاعتقاديات - وفيه بحث - والظاهرية على إبطاله مطلقا، وإبطال القياس ورده على أتم وجه في الأصول، وما أخرج ابن أبي حاتم عن أيوب قال: قال عمر بن الخطاب: احذروا هذا الرأي على الدين فإنما كان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لأن الله تعالى كان يريه وإنما هو منا تكلف وظن * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * هو أحد أدلتهم على إبطال القياس أيضا، وقد حكى الآمدي في الأحكام نحوه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: قال ابن عمر: اتهموا الرأي عن الدين فإن الرأي منا تكلف وظن * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * وأجاب عنه بأن غايته الدلالة على احتمال الخطأ فيه وليس فيه ما يدل على إبطاله، وأن المراد بقوله: * (إن الظن) * الخ استعمال الظن في مواضع اليقين وليس المراد به إبطال الظن بدليل صحة العمل بظواهر الكتاب والسنة، ويقال نحو هذا في كلام عمر رضي الله تعالى عنه، وقد ذكر جملة من الآثار استدل بها المبطل على ما زعمه وردها كلها فمن أراد ذلك فليراجعه.
* (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيواة الدنيا) *.
* (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * أي عنهم ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوسل به إلى وصفهم بما في حيز صلته من الأوصاف القبيحة، وتعليل الحكم بها أي فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم الحق وهو القرآن العظيم. المنطوي على بيان الاعتقادات الحقة. المشتمل على علوم الأولين والآخرين. المذكر للآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها، والمراد بالإعراض عنه ترك الأخذ بما فيه وعدم الاعتناء به، وقيل: المراد بالذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وبالإعراض عنه ترك الأخذ بما جاء به، وقيل: المراد به الإيمان، وقيل: هو على ظاهره والإعراض عنه كناية عن الغفلة عنه عز وجل * (ولم يرد إلا الحيواة الدنيا) * راضيا بها قاصرا نظره عليها جاهدا فيما يصلحها كالنضر بن الحرث. والوليد بن المغيرة، والمراد من الأمر المذكور النهي عن المبالغة في الحرص على هداهم كأنه قيل: لا تبالغ في الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه، وقوله تعالى:
* (ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) *.
* (ذلك) * أي أمر الحياة الدنيا المفهوم من الكلام ولذا ذكر اسم الإشارة، وقيل: أي ما أداهم إلى ما هم فيه من التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا، وقيل: ذلك إشارة إلى الظن الذي يتبعونه، وقيل: إلى جعلهم الملائكة بنات الله سبحانه وكلا القولين كما ترى * (مبلغهم من العلم) * أي منتهى علمهم لا علم لهم فوقه اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا.
والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد، وضمير * (مبلغهم) * - لمن - وجمع باعتبار معناه كما أن إفراده قبل باعتبار لفظه، وقوله سبحانه:
* (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) * تعليل للأمر بالإعراض، وتكرير قوله تعالى: * (هو أعلم) * لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين، والمراد * (بمن ضل) * من أصر على الضلال ولم يرجع إلى الهدى أصلا، و * (بمن اهتدى) * من شأنه الاهتداء في الجملة، أي هو جل شأنه المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبدا، وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره سبحانه فلا تتعب نفسك في دعوتهم ولا تبالغ في الحرص عليها فإنهم من القبيل الأول، وقوله تعالى:
* (ولله ما فى السم‍اوات وما فى الارض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) *.
* (ولله ما في السموات وما في الأرض) * أي له ذلك على الوجه الأتم أي خلقا وملكا لا لغيره عز وجل أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا، ويشعر بفعل يتعلق به
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»