تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٤٨
استوى بمعنى ارتفع والعطف على علم، والمعنى ارتفع إلى السماء بعد أن علمه وأكثر الآثار تقتضي ما تقدم.
* (وهو بالافق الاعلى) *.
* (وهو بالأفق الأعلى) * أي الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر، وأصله الناحية وما ذكره أهل الهيئة معنى اصطلاحي وينقسم عندهم إلى حقيقي وغيره كما فصل في محله، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أن المراد به هنا مطلع الشمس وفي معناه قول الحسن: هو أفق المشرق، والجملة في موضع الحال من فاعل استوى، وقال الفراء. والطبري: إن هو عطف على الضمير المستتر في استوى وهو عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أن ذلك عائد لجبريل عليه السلام، وجوز العكس، والجار متعلق باستوى وفيه العطف على الضمير المرفوع من غير فصل، وهو مذهب الكوفيين مع أن المعنى ليس عليه عند الأكثرين.
* (ثم دنا فتدلى) *.
* (ثم دنا) * أي ثم قرب جبريل عليه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم * (فتدلى) * فتعلق جبريل عليه عليه الصلاة والسلام في الهواء، ومنه تدلت الثمرة ودلى رجليه من السرير. والدوالي الثمر المعلق كعناقيد العنب وأنشدوا لأبي ذؤيب يصف مشتار عسل: تدلى عليها بين سب وخيطة * بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها ومن أسجاع ابنة الخس - كن حذرا كالقرلى إن رأى خيرا تدلى، وإن رأى شرا تولى - فالمراد بالتدلي دنو خاص فلا قلب ولا تأويل بإرادة الدنو كما في الإيضاح، نعم إن جعل بمعنى التنزل من علو كما يرشد إليه الاشتقاق كان له وجه.
* (فكان قاب قوسين أو أدنى) *.
* (فكان) * أي جبريل عليه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم * (قاب قوسين) * أي من قسى العرب لأن الإطلاق ينصرف إلى متعارفهم، والقاب، وكذا القيب. والقاد. والقيد. والقيس المقدار، وقرأ زيد بن علي قاد، وقرىء قيد وقدر، وقد جاء التقدير بالقوس كالرمح والذراع وغيرهما، ويقال على ما بين مقبض القوس وسيتها، وهي ما عطف من طرفيها فلكل قوس قابان، وفسر به هنا قيل: وفي الكلام عليه قلب أي فكان قابى قوس، وفي " الكشف " لك أن تقول قابا قوس وقاب قوسين واحد دون قلب، وعن مجاهد. والحسن أن قاب القوس ما بين وترها ومقبضها ولا حاجة إلى القلب عليه أيضا فإن هذا على ما قال: الخفاجي إشارة إلى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله إذا تحالفوا فإنهم كانوا يخرجون قوسين ويلصقون إحداهما بالأخرى فيكون القاب ملاصقا للآخر حتى كأنهما ذا قاب واحد ثم ينزعونهما معا ويرمون بهما سهما واحدا فيكون ذلك إشارة إلى أن رضا أحدهم رضا الآخر وسخطه سخطه لا يمكن خلافه، وعن ابن عباس القوس هنا ذراع يقاس به الأطوال وإليه ذهب أبو رزين، وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز، وأيا ما كان فالمعنى على حذف مضاف - أي فكان ذا قاب قوسين - ونحوه قوله: فأدرك أبقاء لعرادة ظلعها * وقد جعلتني من (خزيمة أصبعا) فإنه على معنى ذا مقدار أصبع وهو القرب فكأنه قيل فكان قريبا منه، وجوز أن يكون ضمير كان للمسافة بتأويلها بالبعد ونحوه فلا حاجة إلى اعتبار الحذف وليس بذاك * (أو أدنى) * أي أو أقرب من ذلك، و * (أو) * للشك من جهة العباد على معنى إذا رآه الرائي يقول: هو قاب قوسين أو أدنى، والمراد إفادة شدة القرب.
* (فأوحى إلى عبده مآ أوحى) *.
* (فأوحى) * أي جبريل عليه السلام * (إلى عبده) * أي عبد الله وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والإضمار ولم يجر له تعالى ذكرا لكونه في غاية الظهور ومثله كثير في الكلام، ومنه * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) *
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»