الآية رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق. وعن ابن زيد رأى جبريل عليه السلام في الصورة التي هو بها، والذي ينبغي أن لا يحمل ذلك على الحصر كما لا يخفى فقد رأى عليه الصلاة والسلام آيات كبرى ليلة المعراج لا تحصى ولا تكاد تستقصى. هذا وفي الآيات: أقوال غير ما تقدم، فعن الحسن أن * (شديد القوى) * (النجم: 5) هو الله تعالى، وجمع * (القوى) * للتعظيم ويفسر * (ذو مرة) * عليه بذي حكمة ونحوه مما يليق أن يكون وصفا له عز وجل، وجعل أبو حيان الضميرين في قوله تعالى: * (فاستوى * وهو بالأفق الأعلى) * (النجم: 6، 7) عليه له سبحانه أيضا. وقال: إن ذلك على معني العظمة والقدرة والسلطان، ولعل الحسن يجعل الضمائر في قوله سبحانه: * (ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) * (النجم: 8 - 10) له عز وجل أيضا، وكذا الضمير المنصوب في قوله تعالى: * (ولقد رآه نزلة أخرى) * (النجم: 13) فقد كان عليه الرحمة يحلف بالله تعالى، لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه وفسر دنوه تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم برفع مكانته صلى الله عليه وسلم عنده سبحانه وتدليله جل وعلا بجذبه بشراشره إلى جانب القدس، ويقال لهذا الجذب: الفناء في الله تعالى عند المتأهلين، وأريد بنزوله سبحانه نوع من دنوه المعنوي جل شأنه.
ومذهب السلف في مثل ذلك إرجاع علمه إلى الله تعالى بعد نفي التشبيه، وجوز أن تكون الضمائر في * (دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى) * (النجم: 8، 9) على ما روي عن الحسن للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد ثم دنا النبي عليه الصلاة والسلام من ربه سبحانه فكان منه عز وجل * (قاب قوسين أو أدنى) * والضمائر في * (فأوحى) * الخ لله تعالى، وقيل: * (إلى عبده) * ولم يقل إليه للتفخيم، وأمر المتشابه قد علم، وذهب غير واحد في وقوله تعالى: * (علمه شديد القوى) * (النجم: 5) إلى قوله سبحانه: * (وهو بالأوفق الأعلى) * (النجم: 7) إلى أنه في أمر الوحى وتلقيه من جبريل عليه السلام على ما سمعت فيما تقدم، وفي قوله تعالى: * (ثم دنا فتدلى) * الخ إلى أنه في أمر العروج إلى الجناب الأقدس ودنوه سبحانه منه صلى الله عليه وسلم ورؤيته عليه السلام إياه جل وعلا فالضمائر في * (دنا، وتدلى) * وكان و * (أوحى) * وكذا الضمير المنصوب في * (رآه) * لله عز وجل، ويشهد لهذا ما في حديث أنس عند البخاري من طريق شريك بن عبد الله " ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله جتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة " الحديث، فأنه ظاهر فيما ذكر.
واستدل بذلك مثبتو الرؤية كحبر الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره، وادعت عائشة رضي الله تعالى عنها خلاف ذلك، أخرج مسلم عن مسروق قال: " كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله تعالى الفرية قلت ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ألم يقل الله تعالى: * (ولقد رآه بالأفق المبين) * (التكوير: 23) * (ولقد رآه نزلة أخرى) * (النجم: 13)؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا إنما هو جبريل لم أره على صورته الذي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض " الحديث، وفي رواية ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق " فقالت: أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: إنما رأيت جبريل منهبطا " ولا يخفى أن جواب رسول الله عليه الصلاة والسلام ظاهر في أن الضمير المنصوب في * (رآه) * ليس راجعا إليه تعالى بل إلى جبريل عليه السلام، وشاع أنها تنفى أن يكون صلى الله عليه وسلم رأى ربه سبحانه مطلقا، وتستدل لذلك بقوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) * (الأنعام: 103) وقوله