تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٥١
هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وليست بالتي وعد المتقون، وقيل: هي جنة تأوي إليها الملائكة عليهم السلام والأول أظهر، والمأوى على ما نص عليه الجمهور اسم مكان وإضافة الجنة إليه بيانية، وقيل: من إضافة الموصوف إلى الصفة كما في مسجد الجامع، وتعقب بأن اسم المكان لا يوصف به، والجلمة حالية، وقيل: الحال هو الظرف، و * (جنة) * مرتفع به على الفاعلية، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وأبو الدرداء. وأبو هريرة. وابن الزبير. وأنس. وزر. ومحمد بن كعب. وقتادة: * (جنة) * بها الضمير وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، وجن فعل ماض أي عندها سترة إيواء الله تعالى، وجميل صنعه به، أو ستره المأوى بظلاله ودخل فيه على أن * (المأوى) * مصدر ميمي، أو اسم مكان، وجنة بمعنى ستره، قال أبو البقاء: شاذوا لمستعمل أجنة، ولهذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها. وكذا جمع من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين: من قرأ به فأجنة الله تعالى أي جعله مجنونا أو أدخله الجنن وهو القبر، وأنت تعلم أنه إذا صح أنه قرأ به الأمير كرم الله تعالى وجهه ومن معه من أكابر الصحابة فليس لأحد رده من حيث الشذوذ في الاستعمال، وعائشة قد حكى عنها الإجازة أيضا.
* (إذ يغشى السدرة ما يغشى) *.
* (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * متعلق برآه، وقيل: بما بعد من الجملة المنفية ولا يضر التقدم على * (ما) * النافية للتوسع في الظرف والغشيان بمعنى التغطية والستر، ومنه الغواشى أو بمعنى الاتيان يقال فلان يغشى زيدا كل حين أي يأتيه. والأول هو الأليق بالمقام، وفي إبهام * (ما يغشى) * من التفخيم ما لا يخفى فكأن الغاشي أمر لا يحيط به نطاق البيان ولا تسعه أردان الأذهان، وصيغة المضارع لحاكية الحالة الماضية استحضارا لصورتها البديعة، وجوز أن يكون للإيذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد، وورد في بعض الأخبار تعيين هذا الغاشي، فعن الحسن غشيها نور رب العزة جل شأنه فاستنارت. ونحوه ما روي عن أبي هريرة يغشاها نور الخلاق سبحانه، وعن ابن عباس غشيها رب العزة عز وجل وهو من التشابه، وقال ابن مسعود. ومجاهد. وإبراهيم: يغشاها جراد من ذهب، وروي عن مجاهد أن ذلك تبدل أغصانها لؤلؤا وياقوتا وزبر جدا.
وأخرج عبد بن حميد عن سلمة قال: استأذنت الملائكة الرب تبارك وتعالى أن ينظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم فغشيت الملائكة السدرة لينظروا إليه عليه الصلاة والسلام، وفي حديث " رأيت على كل ورقة من ورقة ملكا قائما يسبح الله تعالى وقيل: يغشاها رفرف من طير خضر، والإبهام على هذا كله على نحو ما تقدم.
* (ما زاغ البصر وما طغى) *.
* (ما زاغ البصر) * أي ما مال بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه * (وما طغى) * وما تجاوزه بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا، وهذا تحقيق للأمر ونفي لريب عنه، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها إلى ما لم يؤمر برؤيته.
* (لقد رأى من ءاي‍ات ربه الكبرى) *.
* (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * أي والله لقد رأى الآيات الكبرى من آياته تعالى وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج - فالكبرى - صفة موصوف محذوف مفعول لرأي أقيمت مقامه بعد حذفه وقدر مجموعا ليطابق الواقع، وجوز أن تكون * (الكبرى) * صفة المذكور على معنى، و * (لقدر رأى) * بعضا من الآيات الكبرى، ورجح الأول بأن المقام يقتضي التعظيم والمبالغة فينبغي أن يصرح بأن المرأى الآيات الكبرى وجوز الوصفية المذكورة مع كون من مزيدة، وأنت تعلم أن زيادة من في الإثبات ليس محمعا على جوازه، وجاء في بعض الأخبار تعيين ما رأى عليه الصلاة والسلام، أخرج البخاري. وابن جرير. وابن المنذر. وجماعة عن ابن مسعود أنه قال في
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»