تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٥٣
سبحانه: * (وما كان لبشر أن يكمله الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) * (الشورى: 51) وهو ظاهر ما ذكره البخاري في صحيحه في تفسير هذه السورة، وقال بعضهم: إنها إنما تنفي رؤية تدل عليها الآية التي نحن فيها وهي التي احتج بها مسروق.
وحاصل ما روي عنها نفي صحة الاحتجاج بالآية المذكورة على رؤيته عليه الصلاة والسلام ربه سبحانه ببيان أن مرجع الضمير فيها إنما هو جبريل عليه السلام على ما يدل عليه جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وحمل قوله صلى الله عليه وسلم في جوابها " لا " على أنه نفي للرؤية المخصوصة وهي التي يظن دلالة الآية عليها ويرجع إلى نفي الدلالة ولا يلزم من انتفاء الخاص انتفاء المطلق، والانصاف أن الأخبار ظاهرة في أنها تنفي الرؤية مطلقا، وتستدل عليه بالآيتين السابقتين، وقد أجاب عنهما مثبتو الرؤية بما هو مذكور في محله.
والظاهر أن ابن عباس لم يقل بالرؤية إلآ عن سماع، وقد أخرج عنه أحمد أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي " ذكره الشيخ محمد الصالحي الشامي تلميد الحافظ السيوطي في الآيات البينات وصححه، وجمع بعضهم بين قولي ابن عباس. وعائشة بأن قول عائشة محمول على نفي رؤيته تعالى في نوره الذي هو نوره المنعوت بأنه لا يقوم له بصر، وقول ابن عباس محمول على ثبوت رؤيته تعالى في نوره الذي لا يذهب بالأبصار بقرينة قوله في جواب غكرمة عن قوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار) * (الأنعام: 103) ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وبه يظهر الجمع بين حديثي أبي ذر، أخرج مسلم من طريق يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: " نوراني أراه " ومن طريق هشام. وهمام كلاهما عن قتادة عن عبد الله قال: قلت لأبي ذر لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال أبو ذر: قد سألته فقال: " رأيت نورا " فيحمل النور في الحديث الأول على النور القاهر للأبصار بجعل التنوين للنوعية أو للتعظيم، والنور في الثاني على ما لا يقوم له البصر والتنوين للنوعية، وإن صحت رواية الأول كما حكاه أبو عبد الله المازري بلفظ " نوراني " بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء لم يكن اختلاف بين الحديثين ويكون نوراني بمعنى المنسوب إلى النور على خلاف القياس ويكون المنسوب إليه هو نوره الذي هو نوره، والمنسوب هو النور المحمول على الحجاب حمل مواطأة في حديث السبحات في قوله عليه الصلاة والسلام: " حجابه النور " وهو النور المانع من الإحراق الذي يقوم له البصر.
ثم إن القائلين بالرؤية اختلفوا، فمنهم من قال: إنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه سبحانه بعينه، وروي ذلك ابن مردويه عن ابن عباس، وهو مروى أيضا عن ابن مسعود. وأبي هريرة. وأحمد بن حنبل، ومنهم من قال: رآه عز وجل بقلبه، وروي ذلك عن أبي ذر، أخرج النسائي عنه أنه قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره " وكذا روي عن محمد بن كعب القرظي بل أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عنه أنه قال: قالوا: يا رسول الله رأيت ربك؟ قال: " رأيته بفؤادي مرتين ولم أره بعيني ثم قرأ ما كذب الفؤاد ما رأى " وفي حديث عن ابن عباس يرفعه " فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي " وكأن التقدير في الآية على هذا * (ما كذب الفؤاد فيما رأى) * (النجم: 11)، ومنهم من ذهب إلى أن إحدى الرؤيتين كانت بالعين والأخرى الفؤاد وهي رواية عن ابن عباس، أخرج الطبراني. وابن مردويه عنه أنه قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده؛ ونقل القاضي عياض عن بعض مشايخه أنه توقف أي
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»