لا يقفون على هذه المقالة وحدها وهم المكيدون لا أنت قولا وفعلا وحجة وسيفا، وحقق ما ضمنه من الوعيد بقوله سبحانه: * (أم لهم إله غير الله) * (الطور: 43) فينجيهم من كيده وعذابه لا والله سبحان الله عن أن يكون إليه غيره، ومنه يظهر أن حمل الذين كفروا على المريدين به كيدا أظهر في هذا المساق انتهى، وكأن ما بعد تأكيدا لأمر طغيانهم ومزيد تحقيق للوعيد ومبالغة في التسلية، ويعلم مما ذكره - لا زالت رحمة الله تعالى عليه متصلة - أن * (أم) * في كل ذلك منقطعة وهي مقدرة ببل الإضرابية، والإضراب ههنا واقع على سبيل الترقي وبالهمزة وهي للإنكار وهو ما اختاره أبو البقاء، وكثير من المفسرين، وحكى الثعلبي عن الخليل أنها متصلة والمراد بها الاستفهام، وعليك بما أفاده كلام ذلك الهمام والله تعالى أعلم.
ومما ذكروه من باب الإشارة في بعض الآيات: * (والطور) * (الطور: 1) إشارة إلى قالب الإنسان * (وكتاب مسطور) * (الطور: 2) إشارة إلى سره * (في رق منشور) * إشارة إلى قلبه * (البيت المعمور) * (الطور: 4) إشارة إلى روحه * (والسقف المرفوع) * (الطور: 5) إشارة إلى صفته * (والبحر المسجور) * (الطور: 6) إشارة إلى نفسه المسجورة بنيران الشهوة والغضب والكبر، وقيل: - الطور - إشارة إلى ما طار من الأرواح من عالم القدس والملكوت حتى وقع في شباك عالم الملك - والكتاب المسطور في الرق المنشور - إشارة إلى النقوش الإلهية المدركة بأبصار البصائر القدسية المكتوبة في صحائف الآفاق * (والبيت المعمور) * إشارة إلى قلب المؤمن المعمور بالمعرفة والإخلاص * (والسقف المرفوع) * إشارة إلى العالم العلوي المرفوع عن أرض الطبيعة * (والبحر المسجور) * إشارة إلى بحث القدرة المملوء من أنواع المقدورات التي لا تتناهى، وقيل: إشارة إلى الفضاء الذي فيه الملائكة المهيمون، ووصفه - بالمسجور - إما لأنه مملوء منهم، وإما لأنه سجر بنيران الهيام ولذا لا يعلم أحدهم بسوى الله عز وجل، وقيل: غير ذلك * (فويل يومئذ للمكذبين * الذي هم في خوض يلعبون) * (الطور: 11، 12) أي يخوضون في غمران البحر اللجي الدنيوي ويلعبون فيها بزبدها الباطل ومتاعها القليل ويكذبون المستخلصين عن الاكدار المتحلين بالأنوار إذ أنذروهم أن المتقين هم أضداد أولئك * (فاكهين بما آتاهم ربهم) * مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر * (ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) * (الطور: 18) وهو عذاب الحجاب * (كلوا) * من ثمرات المعارف المختصة باللطيفة النفسية * (واشربوا) * (الطور: 19) من مياه العيون المختصة باللطيفة القلبية * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * (الطور: 48) أي مقام العبودية * (ومن الليل فسبحه) * أي عند نزول السكينة عليك * (وإدبار النجوم) * (الطور: 49) أي عند ظهور نور شمس الوجه، وتسبيحه سبحانه عند ذلك بالاحتراز عن إثبات وجود غير وجوده تعالى الحق فإن إثبات ذلك شرك مطلق في ذلك المقام أعاذنا الله تعالى وإياكم من الشرك بحرمة الحبيب عليه الصلاة والسلام.