وهو متعلق بمضمون الكلام، والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله تعالى عليك، وهذا كما تقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه، والمراد الرد على قائل ذلك، وإبطال مقالتهم فيه عليه الصلاة والسلام وإلا فلا امتنان عليه صلى الله عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقيل: الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله، والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وممن قال كاهن: شيبة بن ربيعة، وممن قال مجنون: عقبة بن أبي معيط.
* (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) *.
* (أم يقولون) * أي بل أيقولون * (شاعر) * أي هو شاعر * (نتربص) * أي ننتظر * (به ريب المنون) * أي الدهر، وهو فعول من المن بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها، ومنه حبل منين أي مقطوع، والريب مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر وصروفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة، وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أي نزل، والمراد بنزوله إهلاكه، وتفسير المنون بالدهر مروى عن مجاهد. وعليه قول الشاعر: " تربص بها ريب المنون " لعلها * تطلق يوما أو يموت حليلها وبيت أبي ذؤيب. أمن " المنون وريبة " يتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع قيل: ظاهره ذلك؛ وكذلك قول الأعشى: أأن رأت رجلا أعضى أضر به * " ريب المنون " ودهر متبل خبل ولهذا أنشده الجوهري شاهدا له، وأخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس تفسيره بالموت وهو مشتكر بين المعنيين فقد قال المرزوقي في شرح بيت أبي ذؤيب المار آنفا: المنون قد يراد به الدهر فيذكر وتكون الرواية ريبه، وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روى ريبها، وقد يرجع له ضمير الجمع لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها انتهى فلا تغفل، وهو أيضا من المن بمعنى القطع فإنها قاطعة الأماني واللذات، ولذا قيل: المنية تقطع الأمنية، وريب المنون عليه نزول المنية، وجوز أن يكون بمعنى حادث الموت على أن الإضافة بيانية، روي أن قريشا اجتمعت في دار الندوة وكثرت آراؤهم فيه عليه الصلاة والسلام حتى قال قائل منهم وهم بنو عبد الدار - كما قال الضحاك - تربصوا به ريب المنون فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير. والنابغة. والأعمشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت، وقرأ زيد بن علي * (يتربص) * بالياء مبنيا للمفعول، وقرىء * (ريب) * بالرفع على النيابة.
* (قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين) *.
* (قل تربصوا) * تهكم بهم، وتهديد لهم * (فإني معكم من المتربصين) * أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي، وفيه عدة كريمة بإهلاكهم.
* (أم تأمرهم أحلامهم بهاذآ أم هم قوم طاغون) *.
* (أم تأمرهم أحلامهم) * أي عقولهم وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي - وذلك على ما قال الجاحظ - لأن جميع العالم يأتونهم ويخالطونهم وبذلك يكمل العقل وهو يكمل بالمسافرة وزيادة رؤية البلاد المختلفة والأماكن المتباينة ومصاحبة ذوي الأخلاق المتفاوتة وقد حصل لهم الغرض بدون مشقة، وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله تعالى بالعقل؟! فقال: تلك عقول كادها الله عز وجل أي لم يصحبها التوفيق فلذا لم يؤمنوا وكفروا - وأنا لا أرى في الآية دلالة على رجحان عقولهم -