تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٣٨
والأرض؟ قالوا: الله وهم غير موقنين بما قالوا إذ لو كانوا موقنين لما أعرضوا عن عبادته تعالى فإن من عرف خالقه وأيقن به امتثل أمره وانقاد له.
* (أم عندهم خزآئن ربك أم هم المسيطرون) *.
* (أم عندهم خزائن ربك) * أي خزائن رزقه تعالى ورحمته حتى يرزقوا النبوة من شاءوا، ويمسكوها عمن شاءوا، وقال الرماني: خزائنه تعالى مقدوراته سبحانه، وقال ابن عطية: المعنى أم عندهم الاستغناء عن الله تعالى عن جميع الأمور لأن المال والصحة والعزة وغير ذلك من الأشياء من خزائن الله تعالى، وقال الزهري: يريد بالخزائن العلم واستحسنه أبو حيان، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يعلم حاله منه.
* (أم هم المصيطرون) * الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم فالمسيطر الغالب، وفي معناه قول ابن عباس: المسلط القاهر وهو من سيطر على كذا إذا راقبه وأقام عليه وليس مصغرا كما يتوهم ولم يأت على هذه الزنة إلا خمسة ألفاظ أربعة من الصفات، وهي مهيمن. ومسيطر. ومبيقر. ومبيطر، وواحد من الأسماء، وهو مجيمر اسم جبل، وقرأ الأكثر * (المصيطرون) * بالصاد لمكان حرف الاستعلاء وهو الطاء، وأشم خلف عن حمزة وخلاد عنه بخلاف الزاي.
* (أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلط‍ان مبين) *.
* (أم لهم سلم) * هو ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة ثم جعل اسما لكل ما يتوصل به إلى شيء رفيع كالسبب أي أم لهم سلم منصوب إلى السماء.
* (يستمعون فيه) * أي صاعدين فيه على أن الجار والمجرور متعلق بكون خاص محذوف وقع حالا والظرفية على حقيقتها، وقيل: هو متعلق - بيستمعون - على تضمينه معنى الصعود.
وقال أبو حيان: أي يستمعون عليه أو منه إذ حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض ومفعول * (يستمعون) * محذوف أي كلام الله تعالى، قيل: ولو نزل منزلة اللازم جاز * (فليأت مستمعهم بسلط‍ان مبين) * أي بحجة واضحة تصدق استماعه.
* (أم له البن‍ات ولكم البنون) *.
* (أم له البن‍ات ولكم البنون) * تسفيه لهم وتركيك لعقولهم، وفيه إيذان بأن من هذا رأيه لا يكاد يعد من العقلاء فضلا عن الترقي إلى عالم الملكوت وسماع كلام ذي العزة والجبروت والالتفات إلى الخطاب لتشديد الإنكار والتوبيخ.
* (أم تس‍الهم أجرا فهم من مغرم مثقلون) *.
* (أم تسئلهم أجرا) * أي على تبليغ الرسالة وهو رجوع إلى خطابه صلى الله عليه وسلم وإعراض عنهم * (فهم) * لأجل ذلك * (من مغرم) * مصدر ميمي من الغرم والغرامة وهو - كما قال الراغب - ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، فالكلام بتقدير مضاف أي من التزام مغرم، وفسره الزمخشري بالتزام الإنسان ما ليس عليه فلا حاجة إلى تقدير - لكن الذي تقتضيه اللغة هو الأول - * (مثقلون) * أي محمولن الثقل فلذلك لا يتبعونك.
* (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) *.
* (أم عندهم الغيب) * أي اللوح المحفوظ المثبت فيه الغيوب * (فهم يكتبون) * منه ويخبرون به الناس - قاله ابن عباس - وقال ابن عطية: أم عندهم علم الغيب فهم يثبتون ما يزعمون للناس شرعا، وذلك عبادة الأوثان وتسبيب السوائب وغير ذلك من سيرهم، وقال قتادة: * (أم عندهم الغيب) * فهم يعلمون متى يموت محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتربصون به، وفسر بعضهم * (يكتبون) * بيحكمون.
* (أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون) *.
* (أم يريدون كيدا) * بك وبشرعك وهو ما كان منهم في حقه صلى الله عليه وسلم بدار الندوة مما هو معلوم من السير، وهذا من الإخبار بالغيب فإن قصة دار الندوة وقعت في وقت الهجرة وكان نزول السورة قبلها كما تدل عليه الآثار * (فالذين كفروا) * هم المذكورون المريدون كيده عليه الصلاة والسلام،
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»