كل بعض سائلا ومسؤولا لا أنه يسأل بعض معين منهم بعضا آخر معينا ثم هذا التساؤل في الجنة كما هو الظاهر، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه إذا بعثوا في النفخة الثانية ولا أراه يصح عنه لبعده جدا.
* (قالوا إنا كنا قبل فىأهلنا مشفقين) *.
* (قالوا) * أي المسؤولون وهم كل واحد منهم في الحقيقة * (إنا كنا قبل) * أي قبل هذا الحال * (في أهلنا مشفقين) * أرقاء القلوب خائفين من عصيان الله عز وجل معتنين بطاعته سبحانه، أو وجلين من العاقبة، و * (في أهلنا) * قيل: يحتمل أنه كناية عن كون ذلك في الدنيا، ويحتمل أن يكون بيانا لكون إشفاقهم كان فيهم وفي أهلهم لتبعيتهم لهم في العادة ويكون قوله تعالى:
* (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) *.
* (فمن الله علينا) * أي بالرحمة والتوفيق * (ووقانا عذاب السموم) * أي عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وهو الريح الحارة المعروفة، ووجه الشبه وإن كان في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبها به، وقال الحسن: * (السموم) * اسم من أسماء جهنم عاما لهم ولأهلهم، فالمراد بيان ما من الله تعالى به عليهم من اتباع أهلهم لهم، وقيل: ذكر * (في أهلنا) * لإثبات خوفهم في سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن ولا أرى فيه بأسا، نعم كون ذلك لأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم ليس بشيء، وقيل: لعل الأولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى كما أن قوله عز وجل:
* (إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) *.
* (إنا كنا من قبل ندعوه) * إلى آخره إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى وترك العاطف بجعل الثاني بيانا للأول ادعاءا للمبالغة في وجوب عدم انفكاك كل منهما للآخر ولا يخفى ما فيه، والذي يظهر أن هذا إشارة إلى الرجاء وترك العطف لقصد تعداد ما كانوا عليه أي إنا كنا من قبل ذلك نعبده تعالى ونسأله الوقاية * (إنه هو البر) * أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان - كبر في يمينه - أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ويلزمه الإحسان للغير، وأبر الله تعالى حجة أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة، وأبر فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف كما روي عن ابن عباس، أو العالي في صفاته، أو خالق البر، أو الصادق فيما وعد أولياءه كما روي عن ابن جريج بعيد إلا أن يراد بعض ما صدقات، أو غايات ذلك البر؟ * (الرحيم) * الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب، وقرأ أبو حيوة * (ووقانا) * بتشديد القاف، والحسن. وأبو جعفر. ونافع. والكسائي * (أنه) * بفتح الهمزة لتقدير لام الجر التعليلية قبلها أي لأنه.
* (فذكر فمآ أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) *.
* (فذكر) * فاثبت على ما أنت عليه من التذكير بما أنزل عليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل. * (فما أنت بنعمت ربك بكاهن) * هو الذي يخبر بالغيب بضرب من الظن، وخص الراغب الكاهن بمن يخبر بالأخبار الماضية الخفية كذلك، والعراف بمن يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك، والمشهور في الكهانة الاستمداد من الجن في الإخبار عن الغيب، والباء في * (بكاهن) * مزيدة للتأكيد أي ما أنت كاهن * (ولا مجنون) * واختلف في باء * (بنعمة) * فقال أبو الباقء: للملابسة؛ والجار والمجرور في موضع الحال والعامل فيه كاهن، أو مجنون، والتقدير ما أنت كاهن ولا مجنون ملتبسا بنعمة ربك وهي حال لازمة لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبسا بنعمة ربه عز وجل، وقيل: للقسم فنعمة ربك مقسم به، وجواب القسم ما علم من الكلام وهو - ما أنت بكاهن ولا مجنون - وهذا كما تقول: ما زيد والله بقائم وهو بعيد، والأقرب عندي أن الباء للسببية